متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :
“أغوتني عمان بالجمال الحضاري والأناقة الحاضرة، فلبثت فيها أغلى وأعز سنوات العمر، وسكنتني حتى دثرتني فتصوفت فيها حتى مقام الحلول والاتحاد، وكان التجلي في جبل الشوق وشجرة الحوار، فمكثت في أجوائها أحلق، وفي روابيها أصهل، ومن ينابيعها أنهل، وأكتب وأكتب..” بهذه الكلمات يسرد الكاتب الدكتور مجدي العفيفي تفاصيل حكاية كتابه الجديد “الأبعاد المتجاورة في فكر السلطان قابوس.. النص والخطاب والرسالة” والذي دشّن مساء أمس في النادي الدبلوماسي تحت رعاية صاحب السمو السيد أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشئون العلاقات والتعاون الدولي بحضور عدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة وكبار المدعوين …
في بداية الحفل دشّن صاحب السمو راعي المناسبة الكتاب بالضغط على الزر الإلكتروني المخصص لذلك تلاه تقديم العرض المرئي الذي يشرح تفاصيل الكتاب وعناوينه وفصوله ، الكتاب الصادر عن دار المعارف المصرية جاء في 592 صفحة من القطع الكبير يدور الباب الأول فيه حول نواة التحولات المركزية، فكان البحث عن الجذور والبدايات عبر ثلاثة فصول هي “طبقات الخطاب” و”الانبثاقة الأولى” و”القواسم المشتركة” . أما الباب الثاني فتشكل من ثمانية فصول تبحث في تشكيلات الخطاب ودوائره السياسية وفيها “الإرادة الإنسانية والإرادة السياسية” ، والاجتماعية وفيها الثابت والمتحول والمتشابه ، والثقافية وفيها تجليات القوة الناعمة ، والدينية وفيها تقاطعات التجديد والتنوير ، والإعلامية “رسول سلام ورسالة صدق”.
وينفرد الباب الثالث عبر فصليه، بالبحث في جماليات لغة الأعماق البعيدة في الخطاب السلطاني.. وهي لغة حالة لا لغة إحالة، ومن ثم يبين الآليات التي تتحكم في الخطاب.. وأثر الرؤية التي تنتظم الخطاب عبر تشكيلاته.. والأدوات التي شكلت هذه الرؤية بكل أبعادها وتجلياتها..ومدى تمكن الخطاب من استثمار بلاغته السياسية للوصول باستراتيجيته الإقناعية والتأثيرية، وكيف جمع بين التصنيفات المتعارضة، وجعل الثنائيات متكاملة، وأبقى الأبعاد متجاورة.

غلاف كتاب الأبعاد المتجاورة في فكر السلطان قابوس
وقد ألقى الدكتور مجدي العفيفي مؤلف الكتاب كلمة بهذه المناسبة عبر فيها أولا عن عمق علاقته بالسلطنة وحبه العميق لهذه الأرض وكل مكوناتها بدءا من وصوله إلى السلطنة إلى حدود لا تنتهي كما عبر عنها وقال :أما الإجلال.. فلأن خطاب جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ قد أجلى لي حقيقة مكثت سنوات وسنوات أبحث عنها وأجادلها، ألا وهي حقيقة الخيوط الدقيقة بين خطاب التدوين السلطاني وكتاب التكوين العماني، حيث لا مسافات بين التصورات والتصديقات ، وأما العرفان فمرده إلى جماليات هذه الأرض الطيبة التي لا تقبل أن تنبت إلا طيبا، وقد سلكت ينابيعها فأباحت لي بأسرار كثيرة ومبينة.
وحول الكتاب قال “العفيفي” إن عنوان “الأبعاد المتجاورة في فكر السلطان قابوس.. النص والخطاب والرسالة” حرصت على أن يفكر للنص، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فتجاور الأبعاد الفكرية التي تشكل الخطاب والرسالة، هو أحد تجليات هذا الفكر، فهو فكر حي قائم على واقع حي وليس فكرا على فكر، لأن صائغه صاحب رسالة لا صاحب سلطة، ثم هو تجاور يؤدي تلقائيا إلى جدلية حوارية مع الإنسان والزمان والمكان والعالم.. وهذا هو شأن الفكر العظيم في الأدبيات الإنسانية.. هذه القيمة بكل مرجعياتها المعرفية والعرفية والجمالية والأخلاقية ، استغرق تشكيلها حوالي ستمائة صفحة يحتويها هذا الكتاب الذي ما هو إلا جزء صغير من كل كبير، يغري الباحث على استقراء موضوعات شتى واستنباط أفكار نوعية حسب المنظور.
واضاف “العفيفي” : يتجلى الخطاب السلطاني في خاصيته، على أنه المعادل الموضوعي للخطاب العماني في كليته وعموميته، بطبقاته، ومستوياته، وكثافة سَعته، وموضوعيته هي آية واقعيته، ومن ثم يعد “ديوان عمان الحديثة” في أبعاده النوعية المتباينة، سواء أكان سياسيًا أم اجتماعيًا أم ثقافيًا أم إعلاميًا أم دينيًا، وفي تشكيلاته الكيفية سواء أكان خطابًا وطنيًا، أم حديثًا لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، أم حوارًا في جولة من الجولات السنوية، أم كلمة في مناسبة إقليمية أو دولية، وهو في كل ذلك إنما يمثل أهمية بالغة في توجيه المعنى السياسي العماني، بثوابته ومتغيراته، بتاريخيته وتقاطعاته، ببلاغته السياسية وسعة مداه، باستراتيجيته الإقناعية والتأثيرية، وبوحدته الفكرية ونزعته الموضوعية.. فعبر ثلاثة أبواب توزعت على عشرة فصول حاولت.. تقديم قراءة كاشفة للخطاب السلطاني، بما يطرحه من رؤى عميقة ومتطورة للإنسان والعالم والكون، وبما يحمله من معطيات فكرية، وبما يصوره من أنساق سياسية يفضي بعضها إلى بعض عبر استراتيجية متناسجة في تجلياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية على تباين مستوياتها وتعدد طرائقها.
وأضاف الكاتب ” سعيت إلى تخليص هذه المنظومة من التباسات الواقع السياسي والاجتماعي ـ وإن كانت مرتبطة بلحظتها المتعينة تاريخيًا ـ لتستبقي الجوهر الأصيل الذي لا يزال يضيء بالقيم في انسيابها عبر الزمان والمكان، وتجاوزها إطار الجزئي والقُطري إلى الكلي والإنساني، ولذلك تبدو ذات جلالة السلطان ممتلئة بذوات الآخرين”.
وقبيل ختام الحفل قام الدكتور مجدي العفيفي بالتوقيع على النسخة الاولى المهداة إلى المقام السامي ونسخة أخرى إلى صاحب السمو السيد اسعد بن طارق راعي الحفل ، بينما قدم معالي عبدالعزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشئون الثقافية في نهاية الحفل هدية تذكارية لصاحب السمو راعي المناسبة .
المصدر: اخبار جريدة الوطن