ثبات الأخلاق هي شوق من الأشواق التي نرتجيها في شهر الخير, ثبات الأخلاق هي التي سيزهرنا بها الصوم، ثبات الأخلاق هي النور الذي سنمضي به كل أعمالنا الخالصة, ثبات الأخلاق هي التي تجعل من عبادتنا أمن وآمان, هي فلسفة يحتاجها كل مسلم, وأساس كل نجاح, ومصدر كل سعادة, هي زينة الشدائد والكرب, فعلى المسلم أن يدرب نفسه على الأخلاق السمحة ،فالأخلاق هي التي الطريقة المثلى لتنظيم الشخصية الفردة ، ولقد حدد الرسول (صلى الله عليه وسلم) الغاية الكبرى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته،بقوله:” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
فالأخلاق هي الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها جهدا كبيؤا في مد شعاعها وجمع الناس حولها لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم وإنارة آفاق الطريق أمام أعينهم حتى يسعوا إليها على بصيرة.
لقد جاء الإسلام لينقل البشرية خطوات فسيحة إلى حياة مشرقة بالآداب, واعتبر المراحل المؤدية إليها من صميم رسالته، كما انه عد الإخلال بهذه الوسائل خروجا عليه وابتعادا عنه، ولو جمعنا أقوال صاحب الرسالة (صلى الله عليه وسلم) في التحلي بالأخلاق الزكية لخرجنا بسفر لا يعرف له مثيل، فمن دعوته الحارة إلأى محامد الأخلاق ومحاسن الشيم، ما روي عن أسامة بن شريك قال: “كنا جلوسا عند النبي (صلى الله عليه وسلم) كأنما على رؤسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا: فقالوا من أحب عباد الله إلى العباد؟ قال: أحسنهم خلقا”،والقرآن الكريم هو الخلق الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى لنبيه، قال جل شأنه:”وإنك لعلى خلق عظيم”،والأخلاق ليست من مواد الترف التي يمكن أن نستغني نها بل عي أصل من أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها,كما أن الأخلاق والإيمان هما المعادلة التي تولد منها حياة المرء،فإذا استقام الإيمان وترعرع في القلوب استقامت الأخلاق، وسمت بصاحبها إلى قمة السعادة في الدارين،فالإيمان قوة عاصمة عن الدنيا دافعة إلى المكرمات، ولو تأملنا الآيات القرآنية التي تدعو إلى الخير ,أو تنفر من الشر إنما تعتمد على الإيمان المستقر في القلوب , وما أكثر ما يقوله الله تعالى في كتابه:”يا أيها الذين آمنوا” ثم يذكر ما يكلفهم به “اتقوا الله وكونوا من الصادقين” مثلا , فالإيمان القوي يلد الخلق القوي حتما ، وإن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان أو فقدانه بحسب تفاقم الشر أو تفاهته، ونجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما يعلم أتباعه الإعراض عن اللغو ومجانبة الثرثرة والهذر، يقول:”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” فالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يمضي في غرس الفضائل ويتعهدها حتى تؤتي أكلها معتمدا على صدق الأفئدة والأفكار، وإن الإيمان والصلاح والأخلاق عناصر متماسكة لا يستطيع أحد تمزيق عراها.
الخلق لا يتكون في النفس فجأة ، ولا يولد قويا ناضجا ، بل يتكون على مكث ، وينضج على مراحل، وهذا سر ارتباط نمائه بأعمال متكررة كصفة الدوام على الصلاة والزكاة ، والتصديق بيوم الجزاء والشوق إلى الجنة والثواب ، والإشفاق من عذاب الله ..إلخ.
إن دائرة الأخلاق تشمل الجميع فقد تكون لكل دين شعائر خاصة به، وتعتبر سمات مميزة له، ولا شك أن الإسلام فيه طاعات معينه ألزم بها اتباعه, غير أن التعاليم الخلقية ليست من هذا القبيل فالمسلم مكلف أن يلقى أهل الأرض قاطبة بفضائل لا ترقى إليها شبهة، فالصدق واجب مع المسلم وغيره, والسماحة والوفاء والكرم والتعاون والمروءة ..إلخ، فإن نقصت أمة حظا من رفعة صلتها بالله أو في مكانتها بين الناس ، فبقدر نقصان فضائلها وانهزام خلقها.
عائشة بنت يوسف السرحنية