أستعير هذا العنوان من الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي أصدر كتابا بعنوان “نصر بلا حرب 1999″ في العام 1988، متوقعا انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة التي تواصلت لأكثر من أربعة عقود. وهنا نتحدث عن أمر مختلف في نتائجه، لكن قد تكون له مقتربات مشابهة في حيثيات وتداعيات الحدث، فما شهده العالم من حرب بين أصدقاء وحلفاء الأمس خلال الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا في عهد الزعيم الألماني أدولف هتلر خلال أربعينيات القرن العشرين، أثبت أن الصداقات في السياسة ليست بأكثر من مصالح يتوقف قطارها حال ما اقتضت المصالح ذلك، كما أن السياسة الدولية تبقى عميقة ومتشابكة في تفاصيلها وتداعياتها.
الفرق بين الخسائر التي يشهدها العالم حاليا، وتتمحور حول الجانب الاقتصادي من جراء وباء كورونا في العام 2020 تختلف عن تلك التي عاشها العالم منذ خمسينيات القرن العشرين حتى انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات ذلك القرن، حصل ذلك قبل ما يقرب من عشر سنوات من السقف الزمني الذي رآه نيكسون في كتابه المشار إليه، لكن عوامل عديدة اجتمعت لتطيح بالاتحاد السوفيتي في وقت مبكر، وبدون شك توقعت قراءات أخرى ذلك الانهيار السريع الذي لم يكن مفاجئا للكثيرين. أما الهزيمة المتحققة بدون حروب وبلا سلاح في الوقت الحالي فإنها تختلف في الكثير من تفاصيلها عن تلك التي شكّلت علامة فارقة في السياسة الدولية منذ ذلك الوقت وحتى الوقت الحالي، فقد كانت الحرب محتدمة في الإعلام والسياسة والاقتصاد بين دولتين عظميين، ولكل دولة منهما أتباعها من الدول التي في الأغلب لا حول ولا قوة لها، بعد أن وقعت في ركب ذلك الصراع البارد العنيف، لكن الخسارة والهزيمة الحالية المتحققة من حرب وباء جائحة كورونا لم يشهر سلاحا لا نوويا ولا صواريخ عابرة للمحيطات ولا حربا باردة، كما أن هذا السلاح لم تمنعه الحدود ولم توقفه العقائد والديانات والأيديولوجيات المختلفة، فقد عصفت هذه الحرب الشرسة بعجلة الاقتصاد والسياحة والصناعة كما لم يحصل شبيه لذلك عبر التاريخ، واتحدت البشرية في توظيف وسائل إعلامها ومؤسساتها التعليمية والتثقيفية لمواجهة هذا العدو الداهم، وقدم الكثير من الدول الدعم الصحي لدول أخرى قد تصنفها بشبه عدوة لها، لكن الدعم جاء خوفا من تفشي الوباء وعند ذلك يكون الاكتساح مرعبا وفتاكا ولا يستثني أحدا.
منذ أواخر الحرب الباردة ومراكز الدراسات والعلماء والمختصون يتدارسون ويناقشون آليات تجنب مثل تلك الحرب التي استنزفت البشرية في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن تلك الجهود كانت متأخرة كثيرا بسبب إسقاطات السياسة على العلماء والخبراء، وهشاشة الوعي والقراءات المستقبلية لدى قطاع واسع حتى بين المثقفين والمختصين، أما في هذه الأزمة فنعتقد أن الحال يختلف تماما والتوجه لوضع الجدران الحصينة للبشرية جميعا مسؤولية العالم أجمع. وليس ثمة مسحة للاسترخاء على الإطلاق.
المصدر: اخبار جريدة الوطن