ناصر بن سالم اليحمدي:
منذ بواكير نهضتنا المباركة اعتبرت بلادنا الحبيبة أن سياسة السلام الشامل والعادل الحل الأمثل لحل كافة المشاكل بين الشعوب والدول.. وقد اقترن اسم السلطنة بالسلام والعدالة والتسامح أسهم في ذلك جهودها الملموسة على المستوى الإقليمي والدولي لترسيخ هذه المبادئ إلى جانب حرصها على دعم أواصر الصداقة والمحبة مع شعوب العالم أجمع، وهذه السياسة الحكيمة أكسبتها الاحترام والثقة والتقدير من قبل المجتمع الدولي ككل.
ومولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ بداية عهده الزاهر وجلالته يؤكد على أن السلام هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستقرار والأمن ويدعو إلى البحث عن المشترك الإنساني الذي يجمع الشعوب تحت مظلة واحدة قوامها التفاهم والوئام والتعايش السلمي، وقد عدَّ أن الحوار الإيجابي البنَّاء أفضل وسيلة لحل النزاعات يجسد ذلك الجهود العُمانية لحقن الدماء البريئة في الشقيقة اليمن ونجاحها في التوسط لإبرام هدنة لمدَّة شهرين بين الأطراف المتصارعة هناك التي أعلن عنها هانس جروندبرج المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن ليلتقط الشعب المنكوب أنفاسه خلال هذه الفترة ويتذوق حلاوة الاستقرار والأمان.
إن الجهود العُمانية الدبلوماسية التي قام بها المسؤولون من أجل إرساء السلام في اليمن الشقيق، خصوصا لإبرام الهدنة نالت إشادات واسعة، لا سيما من الأمم المتحدة حين وصف سعادة ديفيد جريسلي المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في اليمن أنها “ملموسة ومقدرة” وأنها جددت الآمال في إمكانية إيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية بما يعيد الأمن والاستقرار لها.. وكذلك تعبير الرئيس الأميركي جو بايدن عن امتنانه للدور العُماني في التوصل لهذه الهدنة التي طال انتظارها.. وبالطبع فإن الهدف الأساسي للدبلوماسية العُمانية أنها تسعى قدر إمكانها لوقف الصراعات والبحث عن المشترك الذي يحقق التفاهم بما يعود على الشعب بالأمن والأمان.
لا شك أن الاحتضان الواعي والتبني السلمي للمحادثات اليمنية يوضح ملامح النهج الثابت والمتزن الذي تسير عليه السلطنة والدور العربي والإقليمي الذي تلعبه في القضايا التي تعج بها الساحة السياسية.. فجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يحرص على التقريب بين وجهات النظر وعلى أن تقوم سياستنا الحكيمة على الهدوء والعمق والحلول المبدعة وبُعد النظر.. ومهما تعقدت المشكلة وجدت لها عند العُمانيين حلا جذريا سلميا حكيما يرضي جميع الأطراف.. لأن السلطنة تسعى دائما للمِّ الشمل في تسامح وسلام وإخماد صوت المدافع في كل مكان.. والدعوة إلى الإعمار والبناء فعملت على فض النزاعات؛ لكي يعم الاستقرار والأمان المناطق الملتهبة يدل على ذلك الكثير من المواقف التاريخية التي كتبت بأحرف من نور في سجل إنجازات السلطنة.
لقد حرصت بلادنا عند انفتاحها على العالم الخارجي على توثيق العلاقات مع غيرها من الدول استنادا إلى تحقيق المصالح المشتركة والتعايش الإنساني الراقي القائم على السلام والتسامح والمودة وتحقيق الخير للجميع.. لذلك رغم تأزم الأوضاع من حولها ومرور الكثير من الدول بظروف شديدة التعقيد نراها ـ ولله الحمد ـ تنعم بالاستقرار والأمان والرخاء.. فقد آثرت السير على سياسة الحياد الإيجابي الذي أبعدها عن بؤرة المشاكل والدخول في مهاترات لا طائل من ورائها.. إلا أن هذا لا ينفي وقوفها بجوار أشقائها العرب في المحافل الدولية واتخاذها مواقف حازمة وحاسمة في القضايا التي تخرج على مبادئ العدل والحق.
لا شك أن الخط الذي تسير عليه السلطنة وهو طريق السلم والحوار المثمر البنَّاء أثبت صوابه وحاجة العالم الماسة له.. فالتشدد والعصبية والصراع على مكاسب زائلة لا يجني صاحبها من ورائها سوى الدمار والخراب وسفك المزيد من الدماء البريئة.. لذلك فإن البحث عن المشترك ومحاولة تقريب وجهات النظر وتقديم بعض التضحيات من أجل المصلحة العامة هو أفضل السبل لتحقيق السلام والرخاء للشعوب.
إن أبواب الخير بالسلطنة مشرعة على مصراعيها وعلى من يريد أن ينعم بالاستقرار ويحظى بالسلام أن يدخل منها آمنا ومرحبا به وسوف يجد حضنا عُمانيا يسع الدنيا.. فنحن أمة توحد ولا تفرق، تبني ولا تهدم، هدفها تحقيق الخير للبشرية جمعاء.
لقد أثبتت السلطنة صواب سياستها وأن نظرتها الثاقبة للأمور تؤتي ثمارا حلوة تحصدها الشعوب استقرارا وأمنا.. فالقوة لا تعني السلاح والقتل والتهديد بل إن الحب والسلام والتفاهم هو القوة بعينها.. لذلك نتمنى أن تتخلى الأطراف المتنازعة أيا كان مكانها عن تشددها وتستمع لصوت العقل، وتحاول أن تتخذ من السلطنة نموذجا حتى تعيش في سلام ووئام.
لقد مرَّ على الأزمة اليمنية أعوام كثيرة وما زال الشعب المسكين يرزح تحت نار الشقاق والصراع والحرب التي تقضي على الأخضر واليابس، وما زالت نيران الفتنة تنهش في الجسد اليمني، وللأسف هناك أطراف معيَّنة تقوم بإذكاء هذه الفتنة ولا تريد للبلد المنكوب أن تنتهي مأساته ويعمه الاستقرار حتى لو كان ذلك على حساب المدنيين الأبرياء الذين تسيل دماؤهم، ويشردون ويحرمون من حقهم في الحصول على التنمية والرخاء والعيش الكريم، وقبل كل ذلك الأمن والأمان.
لا شك أنه آن الأوان للاستماع لصوت الحكمة والعقل والبحث عن حل ناجع ينهي الصراع اليمني ويقطع المشكلة من جذورها، وبالتأكيد لن يتحقق ذلك إلا بالحوار الوطني السلمي الذي يعد أفضل وسيلة لتحقيق الاستقرار والتنمية لأي دولة.. والاجتماع حول طاولة المفاوضات للوصول لحل يرضي جميع الأطراف وينتصر في النهاية للمواطن اليمني البسيط الذي يعيش وضعا إنسانيا صعبا إن لم يكن كارثيا.. فالحروب لا تخلف سوى البغضاء والفقر وانتشار الأمراض النفسية والجسدية.. لذلك فإننا نناشد اليمنيين ونقول لهم أنتم جميعا إخوة والوطن يسعكم جميعا لو أغلقتم باب الشقاق والفتنة.. أما الصراع على مكاسب زائفة فإنه لن يحقق سوى الخراب والدمار وإراقة المزيد من الدماء البريئة ورؤية الدموع في عيون الأرامل والثكالى واستنزاف الموارد المادية والبشرية.
حفظ الله قيادتنا الحكيمة وألهمها صواب الرأي وسداد البصيرة والعمل دائما لما فيه خير البلاد والعباد والبشرية جميعها، وكلل مساعيها النبيلة بالتوفيق والنجاح وأدام علينا نعمة الأمان والاستقرار.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
المصدر: اخبار جريدة الوطن