يقول الله تعالى: { يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم} سورة الشعراء الآيتان”88-89″، يقول الدكتور محمد محمود حجازي في معرض تفسيره لهذه الآية الكريمة: ” سالم من دنس الشرك والمعاصي، سليم من الشك والنفاق؛ إذ هي أمراض القلوب” المصدر: التفسير الواضح ج2 ص758، طبعة 1412هـ/1992م. إن سلامة القلب من الآفات والأمراض، ومن العلل والأسقام سبب لسعادة الإنسان وفوزه في الدنيا والآخرة.
إن حديثي عن القلب لأهمية القلب، الذي هو صمام العافية والآمان لروح وجسم الإنسان؛ فهو الموجه والمخطط، وهو النابض والمحرك، وهو الآمر والناهي، أما الجوارح والأعضاء فكلها آلة تنفيذ، وأداة أداء، خاضعة للقلب، فالقلب كما يقال: ملك مطاع، ورئيس متبع، والأعضاء كلها له تبع، فإذا صلح المتبوع، صلح التابع، وإذا استقام الملك، استقامت الرعية، والعكس بالعكس، وفي هذا يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ” القلب ملك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت الأعضاء، وإذا خبث الملك خبثت جنوده”.
إن حديثي عن القلب لا يعني الحديث عن قلب الجسد، أي عن تلكم العضلة الصغيرة الصنبورية، التي تشبه حبة الكمثرى، والتي تقدر بحجم كف الإنسان، والتي تتكون من أربع حجيرات، وأربعة صمامات، وأذينين وبطينين، وشرايين وأوردة، والذي وظيفته ضخ الدم الوارد إليه من الرئتين إلى جميع أجزاء الجسم عبر الشرايين، وضخ الدم الوارد إليه عبر الأوردة من جميع أجزاء الجسم إلى الرئتين لتبادل الغازات؛ بأخذ الأكسجين، وطرد ثاني أكسيد الكربون، ومما لا شك فيه أن هذا القلب له أهميته، وأسراره، ووظيفته؛ إذ حياة الإنسان مرتبطة بعمل القلب، وأداء وظيفته، فإذا توقف القلب عن العمل، وعن أداء وظيفته، توقفت حياة الإنسان، ولهذا القلب علمه، واختصاصاته، ودقائقه وله علماؤه، وأطباؤه، ومختصوه؛ لهم منا جزيل الشكر، ووافر الاحترام.
إن حديثي عن القلب إنما حديثي عن قلب النفس الإنسانية، عن ذلكم الوعاء العجيب المحير، والصندوق الصغير المحكم، الذي أودعت فيه أسرار الإنسان، وعجائب تكوينه، ونفائس تركيبه، وجواهر إنسانيته؛ باعتباره الخزانة الجامعة لكل أحوال الإنسان، وشؤونه، ومكنوناته؛ الذي هو محل التقوى، ومستودع الإيمان، ومنبع العواطف، وموضع الوجدان، الذي قال الله تعالى عنه: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد” سورة ق الآية”37″.
إن أهم شيء في الإنسان هو قلبه الذي في جوفه بين جنبيه، والذي يناط بصلاحه صلاح الإنسان، وكذا يناط بفساده فساد الإنسان. فعن النعمان بن يشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” رواه البخاري ومسلم، يقول سماحة الشيخ العلاّمة أحمد الخليلي: ” فإن جميع منافع الجسد متوقفة على سلامة القلب من الأمراض، فإذا غشيته هذه الأدواء لم تلبث منافع البدن أن تتحول إلى مضار قاتلة” المصدر: الخليلي: جواهر التفسير ج2 ص295. للحديث بقية.
د. يوسف بن إبراهيم السرحني