بات من المسلم به، أن بعض وسائل الإعلام التي تدعي “الحيادية”، والنأي بنفسها عن “سياسات الدول” ومواقفها من قضية ما، قد سقطت من هذه الشعارات والعناوين التي تنادي بها، والتي تلصقها على نفسها، وترفعها صفة لها في كل مرة، يتضح ذلك لكل متابع لهذه الوسائل ومقارنتها بما هو حاصل على الأرض ـ
مثلا ـ. لن نتحدث عن كيفية إدارة هذه الوسائل الإعلامية مثلا، لأحداث ما يسمى “الربيع العربي”، وكيف أن بعضها عمل على تأجيج الصراع بين شعب الدولة الواحدة وكان لها دور في دمار بلدان كانت تنعم بالأمن والسلام، ثم ما إن سقطت في “وحل” الحرب الأهلية، والانقسامات الطائفية وتشرد أهلها، انتقلت هذه الوسائل لتنقل من موقع آخر، ووفق أهداف تبتعد عن أبسط مهنيات الإعلام، وأخلاقياته.
نقول هذا، ويبرز للأذهان على سبيل المثال، عملية استهداف منزل سفير السلطنة المعتمد في الجمهورية اليمنية الشقيقة، من قبل قوات التحالف العربي بثلاثة صواريخ ألحقت أضرارا كبيرة به، الأمر الذي نددت به السلطنة عبر بيان أصدرته وزارة الخارجية صباح أمس الأول، تبعه استدعاء السلطنة سعادة عيد الثقفي سفير المملكة العربية السعودية لدى السلطنة إلى مبنى وزارة الخارجية كون أن المملكة تقود التحالف العربي في الحرب الدائرة في اليمن، وسلمته مذكرة احتجاج على قيام طيران التحالف باستهداف منزل السفير بثلاثة صواريخ موجهة، حيث أعربت السلطنة عن أسفها لهذا الحاث وأن السلطنة في انتظار تفسير لذلك.
كل هذا حدث، دون أن نجد خبرا في هذه الوسائل التي تدعي المهنية والمصداقية، ، فقط لأن السلطنة وهي خارج “الحرب الدائرة في اليمن” ونادت منذ اللحظة الأولى لقيام هذه الحرب، باتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل إنهاءها، وحثت الأطراف اليمنية على ضرورة نبذ الخلافات فيما بينها لضمان عودة الاستقرار والأمن إلى اليمن الشقيق، في الوقت الذي قامت بجهود واضحة وملموسة من الجميع في تحرير الرهائن ـ يوم أمس كانت آخر عملية تحرير رهائن قامت بها السلطنة ـ، وساهمت السلطنة في إدخال المواد الغذائية، وعلاج الجرحى وغيرها من الأعمال الإنسانية التي لا تحبذ السلطنة الإشارة إليها كثيرا باعتبار أن ذلك جزءا من واجبها، وسياستها الداعمة للأمن والسلم.
لقد أغفلت هذه الوسائل، استهداف منزل سفير السلطنة في اليمن، ولم نجد أي خبر عن بيان وزارة الخارجية العمانية، أو خبر تسليم سعادة السفير السعودي في السلطنة مذكرة الاحتجاج، وكانت لغة البيان معبرة عن ثوابت وأصول السياسة العمانية، واتزانها في التعاطي مع الأحداث، دون أن يعني ذلك السكوت على الحق، ورفض الظلم من أي طرف وقع.
أن على وسائل الإعلام خصوصا، التي دائما ما ترفع شعارات “النزاهة” و”الحيادية” أن تعيد حساباتها، وتراجع سياساتها، وتقيم مواقفها، وتنظر إن كانت ناقلا أمينا للأحداث، أم طرفا مشاركا في إشعاله، وتوجيهه وفق سياسات تنتصر لهذا الطرف أو ذاك، وحينها عليها أن تحذف من قاموسها ما تنادي به من أخلاقيات العمل الإعلامي وتصبح عرضة لتساؤل أين مصداقيتكم؟
المحرر