محمد بن سعيد الفطيسي
الخرافة أو الأسطورة: أن (دولة إسرائيل …. سوف تكفل المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع المواطنين بغض النظر عن العقيدة والسلالة أو الجنس ـ الذكور والإناث) نقلا عن/ إعلان استقلال إسرائيل.
الحقيقة والمشاهد على أرض الواقع: أنه وبعد ما يقارب من الـ65 سنة تقريبا على إعلان استقلال المستعمرة الإسرائيلية الكبرى بتاريخ 14/5/1948م, ما زال المجتمع الدولي بوجه عام, وتلك الدول والمنظمات الدولية الكبرى التي ساهمت في قيام هذه المستعمرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وهيئة الأمم المتحدة على وجه الخصوص، تشاهد حقيقة (الدولة) الديمقراطية التي ساهموا بقيامها بقوة النار والدم والجبروت.
فها هي إسرائيل اليوم وكل يوم ـ وكما كانت منذ قيامها المشؤوم منذ أول يوم بقرار ظالم على أرض الطهر والرسالات فلسطين ـ تؤكد للعالم وبما لا يدع مجالا للشك بأنها مستعمرة قائمة على الخوف والدم والدمار والعنصرية والإرهاب, وأن السلام ـ من وجهة نظرها ـ ليس أكثر من وقت للشهيق والزفير, وذلك للاستعداد لشن حملة جديدة لتأكيد عنصريتها, ورفضها القاطع للتعايش مع أصحاب الأرض المسلوبة والمغتصبة.
وبالعودة إلى التاريخ نجد أن هذه المستعمرة ومنذ عامها الأول “للحرية والديمقراطية والمساواة” المزعومة, (تركت وراءها ما يزيد على 60.000 عربي في إسرائيل شكلوا أقلية بلغت 12.5% من سكانها عند نهاية العام 1949م, وأصبح هؤلاء غرباء في وطنهم), بل ومواطنين من الدرجة الثانية, وتم إخضاعهم لقوانين الطوارئ التي تقضي بمحاكمتهم في المحاكم العسكرية لا المدنية, وفرضت عليهم قيودا كثيرة على تنقلاتهم, وتعرضوا للنفي والاعتقال بدون استئناف, وأخضعت صحفهم وكتبهم ومرافقهم للرقابة والتفتيش والتنكيل وخلافه, وليس أوضح على أن هذه المستعمرة هي وطن عنصري, بل واصل هذه التسمية في العصر الحديث, وليس كما تدعي في جل المحافل الدولية, من حرمان الفلسطينيين من حق العودة إلى وطنهم, في مقابل السماح لأي يهودي في العالم من أن يحصل تلقائيا على المواطنة في إسرائيل, وذلك وفقا لقانون العودة للعام 1950م.
كما أنه ومن ضمن ما يشير إلى عنصرية هذه المستعمرة, وخرافة ادعاءاتها للديمقرطية والعدالة والمساواة، كما يشير إعلان الاستقلال في الفقرة التي تقول: إننا ندعو أبناء الشعب العربي سكان دولة إسرائيل ….. إلى المحافظة على السلام والمشاركة ببناء الدولة على أساس المساواة التامة في المواطنة والتمثيل المناسب في جميع مؤسساتها المؤقتة والدائمة, من تميز بطاقات هوياتهم وذلك من خلال توضيح ديانة حاملها, حيث إن الديانة لدينهم هي القومية التي يقضي قانون الجنسية لعام 1952م بأن تكون القومية اليهودية بمثابة مواطنة لهم أنى كانوا.
هذا بخلاف القوانين العنصرية التي يعاني منها المواطن العربي الذي يعيش على أرضه السليبة كقانون مصادرة الممتلكات في حال الطوارئ للعام 1949م, وقانون أملاك الغائبين للعام 1950م, وقانون تملك الأرض للعام 1953م, والتي على أثرها اغتصب ما يقارب من 95% من الأراضي الفلسطينية العربية في إسرائيل, وفي هذا السياق يقول وزير الخارجية الصهيوني السابق ييغال الون من أنه بات (من الضروري أن يعلن بصراحة أن إسرائيل دولة يهودية ذات جنسية واحدة, أن وجود أقلية عربية في البلاد لا يجعل منها دولة متعددة الجنسيات).
ونحن هنا لا نسعى لإثبات ما لا يحتاج لإثبات, فلا يمكن أن تحجب شمس الحقيقة بغربال, فأشكال التمييز العنصري الذي تمارسه حكومة المستعمرة الإسرائيلية الكبرى كل يوم وكل لحظة وعلى مسمع ومشهد العالم الأعمى في فلسطين بشكل عام, وفي حق عرب إسرائيل على وجه الخصوص, لا يحتاج إلى دلائل وإثباتات كثيرة, وليس أحق بينة على صاحب الادعاء مما نطق به لسان بني جلدته, ومما يقومون به كل يوم, فهم يجاهرون ويتفاخرون بتلك الممارسات العنصرية, بل ويتبجحون بحقوقهم التاريخية على أرض الطهر والرسالات فلسطين, في حين يمارسون أشد أشكال العنصرية والكراهية والإقصاء للشعب الفلسطيني, وليعد إلى تاريخهم وأقوال ساستهم وزعمائهم كل العميان في عالمنا العربي عن رؤية هذه البراهين التي تؤكد عنصرية هذه المستعمرة وبطلان ادعاءاتهم للديمقراطية والمساواة بين مواطنين (دولتهم) والعرب المسلمين والمسيحيين.
ولو عدنا للتاريخ قليلا لوجدنا أكواما هائلة من تلك الكتابات العنصرية والأقوال الإقصائية التهميشية التي تثبت العنصرية الصهيونية وتؤكد حقيقة المساواة والعدالة والديمقراطية الإسرائيلية وإعلان استقلالهم الدموي, منها على سبيل المثال لا الحصر ما تطرقت إليه جولدا مائير في العام 1969 حين قالت ليس هناك شعب فلسطيني, ولم يكن الأمر أننا جئنا وأخرجناهم من الديار واغتصبنا أرضهم, فلا وجود لهم أصلا, كما يشكل جدار الفصل الذي شيدته إسرائيل على أراضي الضفة الغربية المحتلة أبرز معالم العنصرية في العصر الحديث، إذ يفصل مناطق فلسطينية بأكملها عن بعضها ويعيق حركة الفلسطينيين، ويقضم أراضيهم.
أما إسرائيل اليوم, فليست بأفضل حال عن إسرائيل العام 1948م, فليس تاريخ هذه المستعمرة سوى صورة لثعبان سام يخلع جلده كل عام ليستبدله بآخر أشد قسوة وإرهاب, ومن أبرز معالم الديمقراطية الصهيونية التي تخط معالمها مستعمرة الفصل العنصري في العام 2015م ما تؤكده الصحف الإسرائيلية نفسها ومنها على سبيل المثال صحيفة هآرتس, حيث أكدت أن الكنيست العشرين يبدو الأكثر عنصرية في تاريخه، وكذلك الأكثر حشدا ووضاعة… وأعضاء الكنيست يتبارون في ما بينهم على من سيأخذ هذا البرلمان إلى حضيض أكثر انخفاضا. وتطرقت الصحيفة إلى ما قاله نائب وزير الداخلية الجديد يارون مازوز من الليكود لزملائه العرب في الكنيست: إن إسرائيل تصنع معروفًا تجاهكم بإعطائكم الهوية الإسرائيلية.
كذلك ومن الخطوات التي اتخذتها مستعمرة الفصل العنصري في هذا السياق في الفترة الأخيرة ما أطلق عليه بقانون التغذية القسرية, وهو قانون يتيح للسجان إجبار الأسرى، عن طريقة تغذيتهم قسريًّا، على تناول المقويات ومن ثم الطعام، لكسر إضرابهم, وكذلك قانون منع الأسرى من الدراسة الجامعية، الذي قدمه عضو الكنيست شارون غال، وقانون التضييق على المحررين الذي قدمه عضو الكنيست نيسان لوبيانسكي من البيت اليهودي، وقانون رفع مدة الحكم على راشقي الحجارة الذي قدمته وزيرة العدل السابقة تسيبي ليفني، وقانون منع الأسرى من استخدام الهواتف الذي قدمه وزير الأمن الداخلى جلعاد أردان, وباختصار فإن إسرائيل في العام 1948م وإسرائيل في العام 2015م لا تختلف كثيرا, فهي هي مستعمرة يمتلئ تاريخها بالعنصرية والإقصاء والتهميش, وإذا كان هناك من اختلاف مشاهد, فهو في تصاعد وتيرة وشدة تلك العنصرية لا أكثر ولا أقل.