أحاط فيروس كورنا المستجد (كوفيد-19) بسكان الكرة الأرضية مخترقا الحدود، ومتجاوزا القوانين، ووجد في الأجساد البشرية بيئة خصبة كي ينمو ويتكاثر، ويؤسس لعالم افتراضي جديد يهيمن عليه، فأصاب أكثر من 6 ملايين شخص شفي منهم نحو 2.5 مليون، وتوفي ما يقرب من 400 ألف، ويعاني أكثر من ثلاثة ملايين جراء الإصابة، وينتظرون مصيرهم، منهم من يشفى ومن يقضي نحبه، فيما تبدو الأعداد مرشحة للزيادة في الأسابيع المقبلة.
لم تجد الدول وسيلة لمواجهته سوى فرض الاحترازات الوقائية، والتشديد على الإجراءات التي تحد من انتشاره سواء على المستوى الجماعي كمنع التجمعات، والتباعد الاجتماعي، وتعطيل الأعمال، وغلق دور العبادة، وإيقاف وسائل النقل والمواصلات العامة، والأساليب الوقائية في الأسواق والمحال التجارية والخدمية، أو على المستوى الفردي كارتداء الكمامات، أو القفازات، أو الحرص على استعمال المعقمات والمطهرات، ومداومة نظافة الأيدي والملابس، وعدم الاحتكاك بالآخرين.
العالم رفع شعار (STAY HOME) أو البقاء في المنزل، واعتبر جميع العلماء ومسؤولي اتخاذ القرار سياسة المكوث في البيوت الإجراء الأكثر أمنا، والأنسب لكافة فئات المجتمعات، كونها أقل كلفة، وأنشط فاعلية، وبدأ الإعلام العالمي يبث رسائله التوعوية لتطبيق فكرة الدوائر المغلقة بداية من الأسرة بتجمعها في مكان واحد وتكليف أحد أفرادها بالخروج لقضاء احتياجاتهم، ثم يعود وتطبق عليه الإجراءات الاحترازية بداية من خروجه، مرورا برحلته في أماكن التسوق، وانتهاء بعودته لبيته مرة أخرى.
خطر انتشار الوباء وضع الدول أمام إشكالية لها ثلاثة محددات الأول هو رغبة الحكومة في السيطرة على الفيروس وتتمثل في قوة القرارات والإجراءات التي تتخدها (الحكومة) لحماية سكانها ودعم طواقمها الطبية، والثاني مدى توافر الإمكانات المادية والتقنية والبشرية لتنفيذ الاحترازات وتعويض الخسائر الاقتصادية المتوقعة، والثالث وعي السكان المتجسد في التفاعل مع الاتجاه العام والامتثال للقرارات والإجراءات، واختلطت العوامل الثلاثة في البيئات المختلفة لتوضح الدول التي ستنحني أمام الفيروس، أو تلك التي ستفر من زحفه، أو التي ستبارزه بصمود حتى النصر.
ومؤخرا أعد مركز الأبحاث البريطاني Deep Knowledge Group (DKG) دراسة عن الأمن الصحي وأفضل الدول في تطبيق الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، وحلت السلطنة في المركز الـ37 عالميا والرابعة عربيا بعد الإمارات والكويت وقطر على الترتيب، واستند المركز إلى عدة معطيات منها عدد التحاليل والفحوصات، ومستوى البنية التحتية الصحية، وجاهزية المشافي والعيادات، والإجراءات الحكومية لمحاصرة الوباء كحظر التجول ومدى الالتزام به، وحماية الأطقم الطبية ودعمها، واعتمد المركز في مرجعيته على البيانات المنشورة من مصادر موثوقة كمنظمة الصحة العالمية وجامعات عالمية أوروبية وأميركية.
الجائحة العالمية أثبتت كفاءة حكومة السلطنة في إدارة الأزمة، سواء بالتخطيط أو التطوير أو المرونة في إدارة المخاطر، وذلك بفضل توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، وأن الرهان على وعي أبناء السلطنة كَفتهُ راجحة دوما، وما أن يزول هذا الوباء ـ إن شاء الله ـ حتى نجد انطلاقة كبيرة للسلطنة على المستويات الاقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية والبحثية والثقافية والفكرية، والاعتكاف على استثمار واستنفار الطاقات الشبابية في بناء المستقبل، فمن ثقب الجائحة تظهر سارية النور، تزيل ظلال المستقبل، وتؤسس لمجد وريادة على المستوى العالمي.
المصدر: اخبار جريدة الوطن