احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / استراتيجيات تشومسكي وخداع الجماهير

استراتيجيات تشومسكي وخداع الجماهير

كاظم الموسوي

وصلتني عبر الواتساب من أكثر من صديق هذه المادة المترجمة للفيلسوف وعالم الألسنية نعوم تشومسكي، وعنوانها: الاستراتيجيات العشر لخداع الجماهير. وتشومسكي غني عن التعريف، يعيش الآن في عزلة ذاتية في منزله في توكسن بولاية أريزونا، شأنه شأن المليارات من البشر، للاحتماء من عدوى فيروس كورونا المستجد، يبلغ الواحد والتسعين عاما من العمر، وهو دائم الحضور للتفكر والتأمل والكتابة، وكان قد كتب هذه الاستراتيجيات منذ زمن بعد اطلاع وبحث واستقراء، ووجدت فيها إعادة تذكير واعتبار وأهمية التفكير بها مرات ومرات، لراهنيتها المستمرة وحسب ما تفرزه ظروف الجائحة الآن، وما سبقها وما بعدها. والانتباه بأن خداع الجماهير استراتيجية رئيسية لمن يسعى للهيمنة والاستغلال وشن الحروب وغزو البلدان ونهب الثروات وتجويع الشعوب.
ولد تشومسكي عام 1928 نهاية الحرب العالمية الأولى، وطبيعي عايش الكثير من الأحداث التاريخية. وكتب أول مقالة له وهو في العاشرة من عمره عن الحرب الأهلية الإسبانية بعد سقوط برشلونة عام 1938، وتحدث فيها بشكل خاص حول ما يشهده الناس من انتشار لا يرحم لـ”الطاعون الفاشي” في جميع أنحاء أوروبا محللا إلى أين سيفضي هذا الوباء، القديم الجديد بأشكال متعددة، وكأنه يتنبأ بـ”طاعون الكورونا”!
الاستراتيجيات التي شخصها لخداع الجماهير، الشعوب، تبدأ من استراتيجية الإلهاء، وتتمثل في استراتيجية التسلية أو ما يمثلها عمليا، أي “في تحويل أنظار الرأي العام عن المشاكل المهمة والتحولات المقررة من طرف النخب السياسية والاقتصادية، وذلك بواسطة طوفان مستمر من مسلسلات الترفيهات والأخبار اللامجدية. استراتيجية الإلهاء هي أيضا لازمة لمنع الجمهور من الاهتمام بالمعارف الأساسية، في ميادين العلوم، الاقتصاد، علم النفس، وعلم التحكمية”. هي استراتيجية عناوينها الإلهاء والتسلية وتغييب الوعي الجمعي وغسل الأدمغة أو كيها بقصد ودراية وتخطيط ومساعٍ متواصلة. وتليها استراتيجية أخرى، تقاربها، هي استراتيجية خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول، وهذه تقوم على أساس عملية مختصرة بـ”مشكلة ـ ردة فعل ـ حلول” بمعنى خلق مشكلة، أولا، أو حالة يتوقع أن تحدث ردة فعل معينة من طرف الجمهور، بحيث يقوم هذا الأخير بطلب إجراءات أو البحث عن حلول يتوقع قبولها من السلطات التي هي عمليا تديرها، مباشرة أو عبر وسائط لها، ومثلها استراتيجية التقهقر، التي تكتفي من أجل تقبل إجراء غير مقبول، في تطبيقه تدريجيا ـ بالتقسيط ـ على مدى عشر سنوات. “بهذه الطريقة تم فرض ظروف اجتما- اقتصادية حديثة كليا – الليبرالية الجديدة- في فترات سنوات الثمانينيات. بطالة مكثفة، هشاشة اجتماعية، مرونة، تحويل مقرات المعامل، أجور هزيلة، كثير من التغييرات كانت لتحدث الثورة لو تم تطبيقها بقوة”. ومن ثم استراتيجية المؤجل، وهي طريقة أخرى “لإقرار قرار غير شعبي، كـ”شر لا بد منه”، عبر الحصول على موافقة الرأي العام في الوقت الحاضر من أجل التطبيق في المستقبل. من السهل دائما قبول تضحية مستقبلية بدل تضحية عاجلة. أولا، لأن المجهود لا يتم بذله في الحال. ثم يميل الجمهور إلى الأمل في “مستقبل أفضل غدا” وإن التضحية المطلوبة قد يتم تجنبها”!
وتليها أيضا استراتيجية مخاطبة الرأي العام كأطفال صغار، حيث تستخدم أغلب الإعلانات كلما توجهت إلى الكبار بشخصيات ولهجة طفولية جدا، غالبا ما تكون أقرب إلى التخلف العقلي، كما لو كان المشاهد طفلا صغيرا أو معوقا ذهنيا. “كلما حاولنا خداع المشاهد، تبنينا لهجة صبيانية، لماذا؟..إذا توجهنا إلى طفل في الثانية عشرة من عمره، فبسبب الإيحائية إذن، سيكون من المحتمل جوابه أو ردة فعله خالية من الحس النقدي “كما لطفل في الثانية عشرة من عمره”!”.
ومن أبرز الاستراتيجيات، استراتيجية اللجوء إلى العاطفة بدل التفكير، وهي تقنية كلاسيكية لسد التحليل العقلاني، وبالتالي إبعاد الحس النقدي للأفراد. كما أن استخدام المخزون العاطفي يسمح بفتح باب الولوج إلى اللاوعي، وذلك من أجل غرس أفكار، رغبات، مخاوف، ميولات، أو سلوكيات… للوصول إلى ما بعدها من استراتيجية الإبقاء على الجماهير/ العامة في حالة الجهل والتخلف، أو في العمل على أن لا يفهم الجمهور التقنيات والطرائق المستخدمة من أجل ضبطه وعبوديته. “يجب أن تكون جودة التربية المقدمة إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا هي الأضعف، بحيث تكون وتبقى هوة الجهل التي تعزل الطبقات الاجتماعية الدنيا عن الطبقات العليا غير مفهومة للطبقات الدنيا، أو القول “عن أسلحة كاتمة من أجل حروب هادئة”!
ويضيف تشومسكي استراتيجية تشجيع الجمهور على استساغة البلادة: بمعنى تشجيع الجمهور على تقبل أن يكون أخرق، أبله، فظا، جاهلا. للدخول إلى استراتيجية تعويض الانتفاضة بالشعور بالذنب، أي جعل الفرد يشعر أنه هو المسؤول الوحيد عن شقائه، بسبب نقص ذكائه، قدراته أو مجهوداته. وهكذا، بدل الانتفاض ضد النظام الاقتصادي، يشعر الفرد بالذنب، ويحط من تقديره الذاتي، مما يسبب حالة اكتئابية، اغترابية، من آثارها تثبيط الفعل. ودون فعل، لا ثورة كذلك…!
وآخر الاستراتيجيات التي كتبها تشومسكي، استراتيجية الزعم في معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم. وهو منطلق من خلال الخمسين سنة الأخيرة، حيث حفر التقدم المذهل للعلوم هوة متنامية بين معارف الجماهير/ العامة وتلك التي تمتلكها النخب الحاكمة. بفضل البيولوجيا، البيولوجيا العصبية وعلم النفس التطبيقي، توصلت الأنظمة إلى معرفة متقدمة بالكائن البشري، نفسيا وبدنيا.. وتوصل النظام إلى معرفة الفرد المتوسط أكثر مما يعرف هو ذاته. هذا يعني أنه في معظم الحالات، للنظام سيطرة وسلطة على الأفراد أكثر مما لهم أنفسهم.
هذا ملخص سريع للاستراتيجيات العشر التي كتبها تشومسكي، وهي كما يلاحظ استقراء فعلي لما حصل ويحصل يوميا للخداع والتضليل والغزو المعرفي، واستثمار كل الثورات التقنية ونتائجها للسيطرة على الجماهير وإدارتها وقيادتها واستغلالها واستعمارها. وهنا الخطر في تجاهلها أو عدم البحث والاطلاع عليها واستدراكها في تنمية وعي جماهيري قادر على النهوض والمواجهة وبناء قدراته في التحرر الإنساني وصناعة الأمل.


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى