احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / الأخلاق في الإسلام .. والمنزلة الرفيعة للإنسان

الأخلاق في الإسلام .. والمنزلة الرفيعة للإنسان

الوليد القريّ لـ(الوطن):
النسيج الأخلاقي يربط الإنسان ببني جنسه كما يربطه بهذا الوجود من حوله
شهر رمضان من المحطات التي لها أثر كبير في غرس القيم النبيلة وترسيخ الأخلاق الفاضلة
الرسول (عليه الصلاة والسلام) كان يعتني بالشهر الفضيل عناية بالغة وأكثر ما يعتني فيه القرآن الكريم

التقى به ـ علي بن صالح السليمي:
قال الشيخ الوليد بن سليمان القريّ أمين فتوى بمكتب سماحة المفتي العام للسلطنة بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية: ان الأخلاق هي الأساس الذي يقوم عليه المجتمع البشري وتبنى عليه الحضارة الإنسانية، فالإنسان كما هو معروف مدني بطبعه اجتماعي بفطرته فلا تقوم حياته إلا بالتعامل مع بني جنسه من البشر بل لا يصلح حاله ولا حال جنسه إلا بحسن التعامل مع هذا الكون الذي يعيش فيه بجميع مفرداته ومكوناته سواء كانت حيوية أو مادية فلا يستطيع الإنسان أن يعيش منبتا عن بني جنسه ولا منعزلا عن هذا الوجود فهو في كل أطواره يتعامل مع ما حوله أخذا وعطاء لذلك كان النسيج الأخلاقي هو الرابط الذي يربط الإنسان ببني جنسه كما يربطه بهذا الوجود من حوله وبقدر قوة هذا النسيج ومتانته بقدر ما يكون المجتمع قويا والأمة عظيمة.
والخُلق (بضم الخاء واللام) هو صورة النفس الباطنة، كما أن الخَلق (بفتح الخاء وسكون اللام) هو صورة النفس الظاهرة والأول يحصل باختيار الإنسان لما يريد من الأخلاق والفضائل وحمل نفسه عليه فهو من العبادات التي يحاسب عليها الإنسان فيعاقب على السيئ منها ويثاب على الحسن بينما الخلق هو صنع الله ولا دخل للإنسان فيه لذلك كان الميزان الذي يتفاضل به الناس والمقياس الذي تحدد به الفوارق بينهم هو ميزان الأخلاق ولا دخل للأشكال والصور في ذلك ففي الحديث عنه (صلى الله عليه وسلم):”إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
وكل حياة الإنسان هي عبارة عن أخلاقه سواء كانت حسنة أو سيئة فتعامله مع نفسه وجسده هو من باب الأخلاق وكذلك سلوك الإنسان مع أخيه الإنسان هو من باب الأخلاق وتعامل الإنسان مع ما حوله من الوجود هو من دائرة الأخلاق وأعظم من جميع ذلك- بل هو الأصل الذي ترجع إليه جميع تعاملات الإنسان- تعامل الإنسان مع خالقه العظيم توحيدا وعبودية وطاعة كل ذلك هو من الأخلاق ولأجل هذا كله جاءت الشريعة المحمدية لتتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فالأخلاق في الإسلام في المحل الأرفع والمنزلة العظمى فلم يبعث (صلى الله عليه وسلم) إلا من أجل إتمامها وإصلاح ما أعوج وتقويم ما انحرف منها وقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم):”الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان” فلو تأملنا في شعب الإيمان التي يصفها (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث لوجدناها تحوي منظومة الأخلاق كلها فالتوحيد الذي هو أعلى شعب الإيمان هو أعظم خلق يتحلى به الإنسان في تعامله مع خالقه العظيم وهذا الخلق السامي هو مصدر جميع الأخلاق التي يتحلى بها الموحد وأدنا هذه الشعب الإيمانية إماطة الأذى عن الطريق وهو خلق هذا الإنسان مع هذا الوجود الذي يعيش فيه ومع غيره من البشر وبين أدنى وأعلى هذه الشعب مساحات كبيرة من الإيمان تشمل كل أخلاق المؤمن يأتي من بينها تلك الصفات النفسية التي يجب أن يتحلى بها المسلم فلم يغفلها الحديث الشريف حيث أشار إليها في قوله (صلى الله عليه وسلم):”..والحياء شعبة من شعب الإيمان” وهكذا نجد بأن الإيمان ما هو إلا أخلاق عظيمة وسلوك قويم وصفات نبيلة سامية أراد الله لهذا الإنسان أن يرتفع إليها ويحمل نفسه عليها وكلما ترقى المؤمن في مدارج الإيمان وارتفع في منازل التقوى صار من حسن الأخلاق إلى أحسنها ومن نبيلها إلى أنبلها وجاء في الحديث عنه (صلى الله عليه وسلم): “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون”.
ولما كانت الأخلاق في الإسلام في المنزلة السامية الرفيعة بل كان الإسلام ما هو إلا أخلاق كريمة وسلوك قويم وصفات نبيلة كما ذكرنا فإن خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس خلقا وخلقا وأقومهم سلوكا وأنبلهم نفسا وأعظمهم إيمان بالله سبحانه وتعالى كيف لا وهو الأسوة لجميع المؤمنين قال تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” ولقد كان (صلى الله عليه وسلم على الخلق الكريم منذ نشأته وقبل بعثته فهو مشمول برعاية الله وعنايته ليكون معدا لاستقبال وحي الله الكريم فقد عرف صلى الله عليه وسلم في الجاهلية بالصادق الأمين وهما صفتان ظهر بهما صلى الله عليه وسلم وبرز في مجتمع جاهلي يرى ضدهما نقصا وعيبا فلم تكن شهرته بذلك أمرا عابرا لا دلالة له بل هو يدل على أنه (صلى الله عليه وسلم) كان الأفضل على الأفضل بل كان نخبة النخبة بين سادة قريش وأهل حرم الله الآمن حتى بز أقرانه في ذلك فصار القريب والبعيد والحبيب والبغيض والعدو قبل الصديق يشهد له بذلك ولذلك شواهد كثيرة في سيرته (صلى الله عليه وسلم).
ولما أنزل عليه الوحي وأكرمه الله بالرسالة الخاتمة وصفه الله عز وجل بقوله” وإنك لعلى خلق عظيم” فبالرغم من كونه (صلى الله عليه وسلم) كان أكثر الناس صلاة وأعظمهم خشوعا وأكثرهم صوما واتقاهم لله وغير ذلك من الأمور التعبدية التي لا يدانى فيها (صلى الله عليه وسلم) ولا يقارب إلا أن الله تعالى حين اختار أن يصف نبيه (صلى الله عليه وسلم) بوصف يعبر عنه (صلى الله عليه وسلم) اختار سبحانه أن يصفه بالأخلاق العظيمة بل هو (صلى الله عليه وسلم) قد على بأخلاقه على الأخلاق العظيمة نفسها إذ إنه (صلى الله عليه وسلم) جمع بهذه الصفة كل العبادات القلبية والقولية والفعلية ويمتد وصفه بذلك ليشمل كل شؤون حياته الشريفة التي كانت تجسد نور الوحي الذي بعثه الله تعالى به، فكان (صلى الله عليه وسلم) قرآنا يمشي على الأرض.
ولقد جاء الإسلام والناس في جاهلية عمياء ووثنية مطبقة غلفت القلوب بأسقامها وغشت الأبصار بأوضارها فتعفنت الفطر وفسدت العقول فلم تعد تميز الخبيث من الطيب وانحرفت بذلك الأخلاق إلى هاوية سحيقة وما بقي من الأخلاق الكريمة أخذت به يد الأنفة والحمية والكبر إلى مجاوزة الحد ومخالفة الحق فلما جاء الوحي الإلهي وجد الناس على هذا الحال فاستطاع (صلى الله عليه وسلم) بنور القرآن الكريم أن يفرغ نفوس أتباعه من تلك الصفات المنحرفة والقيم المترهلة ويصب في نفوسهم قيما جديدة وصفات إيمانية تنطلق من التوحيد وتأرز إليه فكأنما غسلت قلوبهم وأنفسهم من جميع لوثاتها فعادت فطرهم سليمة وعقولهم راجحة وأفعالهم شاهدة بعظمة هذا القرآن وعظمة صاحب الرسالة (صلى الله عليه وسلم).
ومن المحطات التي كان لها أثر كبير في غرس القيم النبيلة وترسيخ الأخلاق الفاضلة وتهذيب النفوس وتزكية القلوب شهر رمضان المبارك الذي امتن الله تعالى به على عباده وفتح لهم فيه من الخير والرحمة ما لم يفتحه لهم في غيره وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتني بهذا الشهر الفضيل عناية بالغة وكان أكثر ما يعتني فيه بالقرآن الكريم فكان يقرأ القرآن على جبريل في شهر رمضان ولقد كانت تأخذه وهو يتقلب في ثنايا هذا الشهر الكريم مرتلا لآيات كتاب الله الذي أنزله عليه من الأريحية ما يحصل له في غيره فكان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”.
ولإن كان (صلى الله عليه وسلم) مع رمضان بهذا الحال فعلينا جميعا أن نحرص على الاستفادة من نفحات هذا الشهر الفضيل وأن نعب من معين القرآن الكريم وأن نحرص على تهذيب أخلاقنا وتربية نفوسنا فرمضان فرصة عظيمة وسانحة كريمة تحمل النفس على ترك شهواتها من الحلال الطيب امتثالا لأمر الله وطاعة لرسوله (صلى الله عليه وسلم) وتربط المؤمن بالله سبحانه من خلال جو إيماني روحاني تهب فيه نسائم الجنة المفتحة وتغلق فيه أبواب النيران إذ النفس فيه أقبل على الله ورحمات الله أشمل للعبد فهي محطة مهمة حري بنا أن نستغلها في ترك ما خالطناه من سيئ الأخلاق وقبيح العيوب والذنوب وأن نجعل منه نقطة تغيير ولحظة انطلاق إلى الله وابتعاد عن الشيطان والله يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى