على بعد أسابيع قليلة من بداية العام الدراسي الجديد، ما زالت معظم دول العالم مشغولة بمكافحة “كورونا”، الذي تسبب في إغلاق المدارس في معظم الدول وامتناعها عن استقبال الطلاب منذ ظهور الوباء في شهر فبراير الماضي، وتحولت الدراسة إلى التعليم عن بُعد؛ عن طريق بث المناهج عبر شبكة الإنترنت، ولم يتسن إجراء التقييم الدقيق للتجربة، لعدم استطاعة كثير من الدول إجراء اختبارات نهاية العام داخل المدارس أو حتى “عن بعد”؛ خوفا على الطلاب والمدرسين والإداريين من الإصابة وتخفيفا على الطلاب الذين لم يحصلوا على القدر الكافي من الشرح والتدريب، واكتفت باعتماد نتيجة الفصل الدراسي الأول أو عمل حساب تراكمي لمستوى الطالب في الفصول الدراسية الماضية, وهناك دول استعاضت عن الامتحانات ببحوث يجريها الطلاب في المواد الدراسية التي حصلوها “عن بعد” وإرسالها عبر شبكة الإنترنت.
ربما تكون المشكلة هينة في سنوات النقل، ويمكن بطريقة أو أخرى تعويض النقص في المناهج في السنوات القادمة، ولكن كيف يمكن لطالب في الشهادة العامة لم يدرس المناهج كاملة في فروع الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء, ويلتحق بكلية الهندسة أو الطب أو الصيدلة أو العلوم؟ قطعا سيكون مستواه أقل من أقرانه الذين درسوا هذه المناهج كاملة، وسيحتاج إلى مجهود ووقت مضاعف ليجبر هذا النقص ليكون مؤهلا للدراسة الجامعية.
حتى الآن لم تتضح الصورة عن شكل الدراسة في العام الدراسي الجديد الذي أصبح على الأبواب، ويبدو أن كثيرا من الدول ستعجز عن إعادة الطلاب إلى صفوف الدراسة داخل المدارس بالشكل المعتاد؛ لاستمرار انتشار الوباء وعدم ظهور لقاح له حتى الآن، ولكن هناك دول أعلنت الخطوط العريضة لملامح الدراسة في العام الجديد، والحديث يدور عن الدراسة الهجين، وهي مزيج من الدراسة “عن بُعد” وانتظام الطلاب داخل المدرسة، بحيث يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين أو أكثر، ويكون دوام كل مجموعة من الطلاب يومين أو ثلاثة داخل المدرسة بالتناوب, وبقية أيام الأسبوع تكون الدراسة عبر شبكة الإنترنت، ويتيح هذا النظام تقليل الكثافات داخل الفصول وتوفير مسافات آمنة للتباعد بين الطلاب داخل الصف الواحد؛ ليستوعب الفصل الدراسي 15 طالبا ـ مثلا ـ بدلا من 30، ونفس الأمر في طابور الصباح وسائر الأنشطة المدرسية.
أما عن ارتداء الطلاب الكمامة فالرأي منقسم بين الأطباء؛ فهناك من يتحدث عن عدم جدواها بالنسبة للتلاميذ الصغار؛ بل إنها قد تسبب الاختناق لهم، فضلا عن الحماقات التي يمكن للطلاب المراهقين ارتكابها بالكمامة وقد تتسبب في حوادث خطيرة داخل المدارس، والخوف من تبادل الكمامات بين الطلاب أو تحولها لبؤرة تلوث وأداة لنقل العدوى بدلا من منعها.
مهما كانت التحديات لا بد من مواجهة الموقف, وإعلان خطة واضحة للدراسة في العام الجديد، لطمأنة أولياء الأمور والطلاب ووقف التدهور الذي أصاب العملية التعليمية، والبحث عن طرق وحلول مبتكرة للدراسة في ظل هذا الوباء، الذي ستنعكس تداعياته لأجيال قادمة، وسنحتاج لعقود من الزمن لعودة الأمور لنصابها.
في مصر الذي يبلغ عدد طلاب المدارس فيها أكثر من 25 مليونا، صمم وزير التربية والتعليم على إجراء امتحانات نهاية العام “على الأرض” لطلاب الشهادة العامة والدبلومات الفنية, الذي يزيد عددهم عن مليون ونصف المليون طالب، وشارك في أعمال الامتحانات قرابة نصف مليون مدرس وإداري انتشروا في آلاف اللجان الامتحانية في طول البلاد وعرضها لمدة شهر، وانتهت الامتحانات على خير, ولم تسجل حالات إصابة ـ تذكرـ بكورونا, رغم المعارضة الشرسة والحملة الضارية التي تعرض لها الوزير لإثنائه عن عقد الامتحانات, من بعض الطلبة وأولياء الأمور, والمدرسين، وكان المبرر المعلن هو خوف الإصابة بكورونا, لكن المفارقة الغريبة كانت في تكدس أولياء الأمور بالمئات أمام لجان الامتحانات لمساندة أبنائهم، دون مراعاة إجراءات التباعد الاجتماعي المتعلقة بكورونا.
المصدر: اخبار جريدة الوطن