.. ونحن في هذا الشهر المبارك، شهر الصيام، وشهر التقرب من الله تعالى نرى الكثيرُ من الناس يتساهل في صغائر الذنوب ويُصرُ عليها، وفي ذلك من الخطر والضرر ما يحمل المسلم والمسلمة، على أن يأخذ حذره من سلوك الخاسرين.
أما الكبائر فأمرها واضح، فلقد رتب الله عليها الحد في الدنيا أو الوعيد في الآخرة، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه والذنوب قسمان: كبائر وصغائر، حيث قد جاء التفريق في القرآن الكريم بين الذنوب، قال تعالى:(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم)(النساء ـ31)،وقال النبي(صلى الله عليه وسلم):(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر) وصغائر الذنوب وهي المعبر عنها بالسيئات والعصيان واللمم، وسميت أيضا في الحديث بمحقرات الذنوب، وهي ما قلّ وصغر من الذنوب، ولا يسلم منها أحد إلا من سلّمه الله وعافاه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
ولقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم، ذلك أن النظر هو المدخل الأساسي لتسرّب الشهوة إلى النفس وطغيانها، فالغضّ من البصر يُساعد على العفة وحفظ الفرج، قال تعالى:(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)، فالنظرة بشهوة سبب للفتنة وإشغال القلب، فاتق الله أخي المسلم وراقب الله، فإنه مطلّع عليك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قيل لبعض السلف: بم يُستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى من نظرت إليه، ومن الصغائر: السب دون القذف كالتنابز بالألقاب، وكذلك التطلع على بيوت الناس والتجسس على أحوالهم وأخبارهم، وكذلك هجر المسلم فوق ثلاث، والأكل بالشمال من غير حاجة، وغير ذلك مما لا يترتب عليه حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة، ولا يعني كون هذه الذنوب، صغائر أنها سهلة وهينة، كلا: بل إن المعاصي كلها سبب للضلال والعقوبة والعذاب، قال تعالى:(ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، وقال عز وجل:(ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً) (الجن ـ 33)، وقال علي بن أبي طالب لابنه الحسن ـ رضي الله عنهما ـ :(يا بني احذر من أن يراك الله عند معصية، ويفقدك عند طاعة، فتكون من الخاسرين)، وقال (صلى الله عليه وسلم):(إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تُهلكه).
وقال النبي (صلى الله عليه وسلم):(لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، فيجعلها الله عز وجل هباءا منثورا، أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، يأخذون من الليل ما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) .. من رحمة الله بنا وفضله علينا، أن جعل لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب أسبابا، من ذلك: (1) اجتناب الكبائر مع فعل الطاعات كالصلوات وسائر الحسنات، ومن المكفرات القرض والصدقات، قال تعالى:(إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم) (التغابن ـ 17)، ومن أسباب المغفرة أيضاً (2) الاستغفار مع عدم الإصرار، قال تعالى:(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فهذا النداء لشبابنا ولكل مسلم ومسلمة في هذا الشهر الفضيل أن يتقي الله تعالى في: كل لحظة من لحظات حياتنا عامة، وفي شهر رمضان خاصة، ولا نستهين بالصغائر من الذنوب، فإنها مهلكة لمن يفعلها، فنسأل الله تعالى السلامة في ديننا، ونسأله سبحانه أن يبعدنا عن الذنوب صغيرها وكبيرها .. اللهم آمين.
إبراهيم السيد العربي