على مدار أربعة عقود ونصف العقد، من عمر النهضة المباركة، حافظت السلطنة بفضل الرؤية الثاقبة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على ركيزة الاستقرار، التي شكلت قاعدة انطلاق نحو التنمية المستدامة، وحافظت السلطنة من خلالها على معدلات نمو عالية، وهبت المواطن العماني الحياة الكريمة التي يستحقها.
وفي خضم منطقة تموج بالصراعات، غابت عن العديد من دولها نعمة الاستقرار، ما شكل تهديدًا على سلامة وحدتها، وذلك نتيجة الحرية المفرطة التي تحولت إلى فوضى هدَّامة، تسعى بكل قوة إلى بث الفرقة، وإزالة هيبة الدول، مستخدمة في سبيل ذلك فضاءً إلكترونيًّا استخدم تقنيته الحديثة إلى الإساءة الهدامة بدلًا من التوظيف البنَّاء الذي يخدم الوطن والمواطن، وقضايا الأمن والاستقرار.
لذا، ـ وكعادته دائمًا ـ حرص جلالته ـ أبقاه الله ـ على وأد الفتن قبل أن تطل بوجهها القبيح، والتمسك بالاستقرار، لضمان استمرار التطور وتحقيق التنوع الاقتصادي المأمول، فقام جلالته برؤيته الفاحصة والمبنية على الدراية والخبرة التامتين بواقع المنطقة، وكطبيب خبير يعرف الفارق بين العرض والمرض، ليضع يديه على مكمن الخلل، وموضع الجرح، ليصف الدواء، عبر قانون تنظيم التزامات العاملين في كافة مؤسسات الدولة وأعضاء المجالس المعينة والمنتخبة الصادر أمس بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (40/2015)، موصدًا بذلك الأبواب في وجه فوضى تعددت مصادر رياحها ـ وقى الله عُمان شرها ـ واضعًا حدًّا لمن يسعى فسادًا مستخدمًا المنابر المختلفة في المساس بهيبة الدولة والإساءة إلى مؤسساتها ومشاريعها وموظفيها، دون سند أو دليل، أو يتخذ التحريض وسيلة لوقف مسيرة التنمية. وفي المقابل وضع القانون قيودًا على موظفي الدولة بهدف صون وحماية أسرارها، وعدم استغلال مواقعهم الوظيفية.
إن هذه الرؤية الثاقبة لحماية مكتسبات الوطن ومنجزاته ليست بجديدة على باني نهضة عُمان، فجلالته ـ أعزه الله ـ منذ بدايات النهضة يعمل على بناء مجتمع صحي، تشكل فيه الحرية ركنًا أصيلًا، تحافظ على الاستقرار وتدعمه، من خلال دعم حرية العقيدة والعمل والتنقل والتعبير والفكر، وكافة الحريات المنصوص عليها في النظام الأساسي للدولة والتي تقرها المواثيق الدولية، لكنه مجتمع يفرق بين تلك الحريات والفوضى التي يطالب بها بعض الخبثاء لغرض في أنفسهم. فاستغلال المنابر لبث الإشاعات، ليس حرية، والإساءة إلى الأشخاص أيًّا كانوا موظفي الدولة أو مواطنين أو مقيمين ليست حرية، أو محاولة النيل من هيبة الدولة ليست حرية، بل فوضى. وليعلم من ينتهج هذا النهج ـ حتى وإن كان بحسن نية ـ أن هذا طريق النهاية لأي دولة، وأن نعمة الاستقرار التي تتسم بها السلطنة، ميزة يحسدها عليها القاصي والداني.
لذا، فالاقتداء بجلالة القائد وتوجيهاته السديدة، والتمسك بالثوابت الوطنية، وقراءة المنطقة وما يحدث بها بعناية، والتفاعل مع تلك القوانين بإيجابية واجب وطني، فالحرية المنضبطة تبني الأوطان، وتصنع الفارق، وتعطي مساحة أكبر من الرفاهية. أما الفوضى فتهدم الأوطان، ويهيم أهلها في بلدان العالم بحثًا عن مأوى. حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها من كل شر ومكروه.
المحرر