كورونا الفيروس القاتل الصامت، الذي أقفل العالم بأكمله وحجر ملايين من البشر في منازلهم، وأسقط بالاقتصاد العالمي وأوشك الكثير من الدول على الانهيار بسببه، وعاش العالم تحديًا أكبر في مجال الصحة والاقتصاد، وأوقف عجلة التنمية الديناميكية في جميع الدول.
فلم يكن تفكير العالم من حكومات وشعوب إلا في كيفية القضاء على هذا الوباء الذي أباد البشر، فهذا الفيروس منع مدنًا وقُراها وطائرات وقطارات من الحركة، فهو لا يعرف دولًا عظمى أو دولًا نامية .. غنيًّا أو فقيرًا .. كبيرًا أو صغيرًا .. فرض علينا قوانينه، وأرغمنا على تقبلها، والناس اختاروا طوعًا الالتزام في منازلهم مع أطفالهم الذين فقدوا صباح المدارس، وصوت المعلم واللعب مع زملائهم في ساحات الحديقة، ولكن هذه الفئة العمرية لا تعي من هو كورونا وماذا فعل بهم وبمدرستهم؟!
فبالرغم من التحديات التي واجهها الأطفال في هذه الفترة المجمدة من حياتهم، إلا أنه لم يستطع هذا الفيروس القاتل السيطرة على عقول هؤلاء الأطفال، فعلى عكس ذلك أعطاهم فترة لاستثمار إبداعاتهم والوقوف أمام مواهبهم، فالكثير من أولياء الأمور الذي وجد الوقت للتعرف عما يقدمه طفله من إبداع فني، فعالم الطفولة البريء والجميل دائمًا يحاول التعبير بعفوية وحب، لا يفهم قاعدة كورونا في هذه الحياة، وجد نفسه في حوار
مع الورقة والقلم والألوان والخامات والأدوات الفنية بمختلف أنواعها ليعبر عمّا بداخله.
ولا يخفى على أحد أن مرحلة الطفولة من أكثر المراحل العمرية التي قد تتأثر نفسيًّا من الحجر المنزلي، وهذا قد يؤثر على النمو الطبيعي لعقله من أثر القلق الحاصل في العالم والذي بدوره ينتقل إلى الطفل، ونجده يعبر عمَّا يجوب في داخله وما يدور حوله من مشاكل أو خوف من خلال الرسم، فعندما يعيش الطفل ظروفًا معقدة في حياته يكون تركيزه فقط على تلك الظروف ولا ينساها من ذاكرته ودائمًا يختلف أسلوب التعبير عن النفس الداخلية من طفل إلى آخر، فمنهم من يعبِّر بالرسم ومنهم بالحديث، فاتجه الأب والأم إلى البحث عن شيء يبعدون أطفالهم عن عقبات وحواجز هذا المرض، ويخرجون أطفالهم من الحجر النفسي الداخلي إلى طاقة وإبداع في هذه الفترة، ووجدت الكثير من الأسر أن الفن هو العلاج المثالي للمشاكل النفسية التي يتعرض لها أطفالهم من عدم الخروج والالتزام بقوانين كورونا، فهنا يكمن التركيز على المشاركة في العملية الإبداعية للأطفال مع الأم أو الأب أو باقي أفراد الأسرة، وهنا يلحظ أولياء الأمور مدى السرور التي يعيشها الطفل في هذا اللحظة من إبداعاته ومشاركته الفنية بالألوان، إن العمل بالفن من الأنشطة التي يستمتع بها الكثير من الأطفال والبالغين، حيث إن الطفل يجد الانتماء الدافئ والأمن من خلال الأسرة من خلال لحظات المشاركة بينهم، وهذا يمثل دلالة على الاستقرار النفسي للطفل في هذه الجائحة التي أرعبت البالغ قبل الطفل.
أستاذ مساعد بقسم التربية الفنية بجامعة السلطان قابوس
د. نجلاء بنت المرضوف السعدية
المصدر: اخبار جريدة الوطن