ترك عباس محمود العقاد (28 حزيران/ يونيو 13-1889 آذار/ مارس 1964) تراثا كبيرا، أكثر من مئة كتاب، وكثيرا من المقالات والمخطوطات، التي طبعت بعد وفاته. وهو لم يكمل التعليم النظامي، ورغم ذلك نجح كاتبا وشاعرا وأديبا وصحفيا ومؤرخا ومترجما، كما اشتهر بمعاركه الفكرية مع أبرز كتاب وأدباء جيله بمصر، مع الشاعر أحمد شوقي، والدكتور طه حسين، والدكتور زكي مبارك، والأديب مصطفى صادق الرافعي، والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، ومع زميل مدرسته الشعرية الشاعر عبد الرحمن شكري، وخارجه مع الدكتور العراقي مصطفى جواد.. واعتبره دارسوه من أبرز كتاب عصره ببلاده مصر وخارجها، أنتح الشعر والنثر، وجال في الأدب والفلسفة والتاريخ والسياسة.. كتب عنه الدكتور شوقي ضيف: «هو تراث سيظل خالدا على الزمان، تقرؤه الأجيال المعاصرة والقادمة وتسيغه متمثلة فيه صورة حية نابضة من صور عبقريتنا العربية الحديثة». ومن قراءة عناوين كتبه التي أصدرها يتوضح جهده الإبداعي وشهادة له وما تركه للأجيال، من دواوينه الشعرية إلى دراسات في العبقريات والسير الشخصية إلى وجهات نظر نقدية في شتى المجالات. نشرها موقع ويكيبيديا، حيث صدر أول دواوينه، يقظة الصباح (1916) وديوان وهج الظهيرة (1917) وديوان أشباح الأصيل (1921) وديوان أشجان الليل (1928) وديوان هدية الكروان (1933) وديوان عابر سبيل، ولحقه ديوان العقاد وديوان وحي الأربعين. وديوان أعاصير مغرب (1942) وختمها بديوان بعد الأعاصير. وكما يلاحظ في العناوين أنها توزع شعره على أوقات اليوم، وفتراته بين اليقظة والوهج وأشباح وأشجان الليل ومع امتداد العمر وأعاصير الزمن. والعناوين هذه، كما تعرف في زمانه، تختصر اختيارات مقصودة يريد منها ما تدل عليه إضافة إلى محتوى نصوصها وتدرجاتها.. وتفرغ إلى التراجم والعبقريات، وكان جديرا باختياراته لها، بدأها بكتابه؛ عبقرية محمد، الذي نشره عام 1940 وتلاه «إبراهيم الخليل أبو الأنبياء»، و«حياة المسيح»، ثم عاد سنة 1955 لكتابة «مطلع النور ــ في طوالع البعثة المحمدية»، وألحقها بالعبقريات الشهيرة: عبقرية عمر، وعبقرية الصديق، وعبقرية الإمام، وعبقرية خالد، وكتب «الصديقة بنت الصديق» (1943)، و«عمرو بن العاص» (1944)، و«الحسين أبو الشهداء» (1945)، و«داعي السماء بلال بن رباح» (1945)، ثم «فاطمة الزهراء والفاطميون» (1953) وأصدر ما أطلق عليه بالإسلاميات: «الله.. بحث في نشأة العقيدة الإلهية» (1947)، و«الفلسفة القرآنية» (1947)، و«الديمقراطية في الإسلام» (1952)، ثم «الإسلام في القرن العشرين.. حاضره ومستقبله» (1954)، و«حقائق الإسلام وأباطيل خصومه» (1957)، و«المرأة في القرآن الكريم» (1959) و«الإنسان في القرآن الكريم» (1961)، و«التفكير فريضة إسلامية» (1961).. و«ما يقال عن الإسلام» (1963)، وكذلك أصدر كتبا عن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص ومعاوية في الميزان. وشخصيات معاصرة كسعد زغلول والشيخ محمد عبدة وغاندي، وعاهل جزيرة العرب، وهتلر، كما أخرج كتبا عن المعري وابن الرومي وأبي نؤاس وشكسبير، إضافة إلى العديد من المؤلفات المتنوعة والمقالات الأخرى. وهي بمجموعها تلخص اهتماماته وقدراته وتطوره الفكري والأدبي وجهده الثقافي الواسع.
انتمى العقاد سياسيا إلى حزب الوفد، وأصبح عضوا في مجلس النواب المصري، وعضوا في مجمع اللغة العربية، ودافع عن الأفكار الديمقراطية واختلف مع الأفكار الشيوعية، معتبرا “أن الديمقراطية هي التي تحمي البلدان والشعوب من الاضطرابات. وأن البلدان الديمقراطية هي التي تنتصر في الحروب، بينما تنهزم الدول القائمة علي الديكتاتورية.”
أما كيف كانت طقوس العقاد في الكتابة؟ فيجيب الدكتور شوقي ضيف، كما نقل إسماعيل الأشول عنه في ذكرى ميلاده في صحيفة الشروق: «يستيقظ في الخامسة صباحا، ويفطر في السابعة ويتصفح المجلات والصحف، حتى إذا كانت الساعة الثامنة انغمس في كتابة بعض مؤلفاته لنحو ساعتين، يخلد بعدهما إلى الراحة قليلا».
وعن ملامح شخصيته يقول: «وهو ــ مع كرم طويته ــ يدمج في عداد أصحاب المزاج العصبي الحاد، فأصغر شيء يهيجه، ولعل ذلك هو الذي جعله يكثر من خصوماته السياسية والأدبية، وهو كان لا يدخل فيها غالبا إلا إذا استفزه أحد خصومه، غير أنه كان إذا دخل في خصومة لا ينكص على عقبيه أبدا، بل يظل مناضلا صائلا جائلا يدعو هل من مبارز؟».
وأضاف شوقي ضيف: عاش العقاد «منذ مطالع حياته يؤمن بالعقل وأن الإنسان مسؤول أمامه عن عقيدته، بل لا بد للعقل أن يسند العقيدة ببراهينه المنطقية، وهي فكرة توهجت توهجا شديدا في مصنفاته الدينية أثناء المرحلة الأخيرة لحياته». وله مواقف متميزة، وسمات وصفته أو اتسم بها، سجلها له وعنه كتاب عايشوه ورووها في كتب صدرت ومقالات نشرت. من بينها، ما كتبه أنيس منصور عن العقاد من طرافة كانت واحدة من خصائص الأسلوب الحاد الذي عرف به العقاد، فيروي أنيس منصور في كتابه عنه قائلا: عندما أعددت لقاء بين الأستاذ وبين مذيعة التلفزيون أماني ناشد ليذاع في التلفزيون، تهيأت المرحومة أماني ناشد لهذا اللقاء، وأمضيت وقتا طويلا في تدريبها على لقاء الأستاذ وحفظ الأسئلة (..) ثم نشرت صحيفة الأخبار أن الأستاذ العقاد سوف يتقاضى عن هذا الحديث 200 جنيه!
وفي اليوم التالي حدثني الأستاذ عاتبا غاضبا: ما هذا الذي تنشرونه يا مولانا؟ هل كثير على رجل كالعقاد قرأ ستين ألف كتاب وأصدر ستين كتابا وأفنى عمره في عالم الفكر والفن، أن يتقاضى هذا المبلغ؟.. إن مفعوصة مثل نجاة الصغيرة تتقاضى ما هو أكثر من ذلك في عشر دقائق!.. يا مولانا إن بلدا يستكثر على العقاد مثل هذا المبلغ التافه، لبلد تافه، وصحافته أكثر تفاهة! ولم أعرف ما الذي أغضب الأستاذ. واستأذنته في أن أعود إلى قراءة الخبر.. وقرأته.. وطلبته (تليفونيا): يا أستاذ قرأت الخبر، ولم أجد فيه ما يغضبك.. وازداد غضب الأستاذ قائلا: ما معنى أن توضع علامة تعجب في نهاية الخبر؟ ما هو العجب في أن أتقاضى هذا المبلغ بينما يتقاضى طه حسين أضعاف ذلك دون أن يتعجب أحد؟.. ألا ترى أن هذا هو الذي يدعو إلى العجب. ولم أفلح في إقناع الأستاذ أننا كثيرا ما نضع علامات التعجب دون سبب لذلك.
* نقطة حبر: يحاول بعض من ينتسبون للكتابة والسياسة استغلال أسماء مرموقة عناوين لهم، ويوقعون على بيانات من باب التعارض ولكنهم كما قال عنهم الشاعر معروف الرصافي قبل عقود من السنوات:
لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن…. فالقوم بالسر غير القوم بالعلن
…..
لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به…. رميا إلى الشر أو قصدا إلى الفتن
المصدر: اخبار جريدة الوطن