اضطررت للاتصال بأحد أصدقائي من ضباط شرطة مدينة فينكس في ولاية أريزونا، بهدف تحذيره من عمليات الغدر والهجمات الاعتباطية لإيذاء ضباط الشرطة هناك على نحو متعامٍ، وهي تلك الهجمات التي راح المكون السكاني الأسود من الشعب الأميركي ينفذها بعد جريمة قتل “العملاق الناعم”، “جورج فلويد”، كما أخذ يسميه أهله وأصدقاؤه، خنقا.
والحق، فإن هذه الصفحة من “ثورة الزنج” المتجددة والجارية الآن عبر الولايات المتحدة الأميركية ما هي إلا حلقة من سلسلة انتفاضات طويلة بواعثها “جرائم الحقد” Hate Crimes التي جرت وتجري ضد الأقليات الملونة والعنصرية والدينية في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا في العهد الحالي.
وإذا كانت استجابة صديقي الضابط طيبة ومطمئنة، باعتبار أنه من أصول عربية ومسلمة لا تميز (كما يفعل البيض الشقر هناك) ضد هذه الأقليات، فإني لاحظت على مسامعه بأن انفجار الغضب الأسود الآن لا يشكل خطرا مباشرا عليه، ضابطا، ولكنه يشكل خطرا حقيقيا على الجميع من أقرانه لأنه يأتي من استثمار عصابات الجريمة والأذرع الصدامية للأقليات الخارجة على القانون ما يمكن أن يطلق عليه عنوان “الغضب الأسود” ضد المؤسسات عامة، على سبيل استهداف ضابط الشرطة بجريرة ما فعله ضابط شرطة واحد بمدينة “مينيابولس” من جريمة قتل لرجل أسود دون وجه حق. أما ما ينبغي أن يقلق أجهزة فرض القانون والنظام هناك، فيتجسد حسب رأيي، ليس بالغاضبين السود فقط، ولكنه يتجسد كذلك فيما هو أكبر وأكثر مشقة، أي فتح الأبواب أمام كل من له مشكلة مع قوى الأمن الداخلي للتنفيس عن أحقاده على هذه القوى وعلى ما ترمز إليه من نظام ديمقراطي وقانوني يعمل، كما تعمل “الساعات السويسرية”، بكل دقة وبتواصل لا يقبل الانقطاع أو الاختلال، ذلك أن أي ضعف قد يصيب قوى الأمن في أميركا يطلق العنان لمارد النهب والفوضى و”الفرهود” والصدامات الأهلية عبر المدن الأميركية الكبرى، خصوصا تلك التي تشبه “علبة السردين” في ازدحامها، كما جرى ذلك في مهاجمة أكبر المتاجر والحوانيت خلال الليالي التالية لمقتل “فلويد”.
هذا، وبكل دقة، هو ما يخشاه الرئيس دونالد ترامب وهو مقبل على انتخابات رئاسية غدت قاب قوسين أو أدنى، إذ يمكن للفوضى وللاحتجاج الاجتماعي أن يطيح بآماله في ولاية رئاسية ثانية. إن مارد الغضب الأسود والفوضى العارمة يطل برأسه ثانية الآن، وأن عملية الإخفاق في ضبط الأمن وإدارة المدن الكبرى، مضافة إليها إخفاقات “الحرب ضد كورونا”، إنما تهدد بالقضاء، ليس على آمال الرئيس ترامب أعلاه، وإنما على آمال سواه، أيا كان، في السيطرة على المدن الكبرى المكتظة وإدارة البلاد على نحو سلمي، بغض النظر عن الآمال والإدارة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن