احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / الفكرة القومية هي الخيار الاستراتيجي

الفكرة القومية هي الخيار الاستراتيجي

خميس بن عبيد القطيطي

تطرقنا في مقال سابق حول حركة القومية العربية عبر هذا المنبر، وتناولنا الموضوع منذ بدايات الحركة القومية العربية التي لا يمكن تحديد نطاقها الزمني والتاريخي، فمنذ ما قبل الإسلام وصولا لرسالة الدين الإسلامي الحنيف الذي انطلق من جزيرة العرب وعم الأقطار العربية وغير العربية فأصبح الدين الإسلامي الوعاء الذي ضم القومية العربية وقوميات أخرى أيضا، وبما أن اللغة العربية هي أهم روافد القومية العربية وهي اللغة الجامعة لمختلف القوميات العرقية التي استظلت بالدين الحنيف فكانت القومية العربية هي الأساس الذي انطلقت منه رسالة الإسلام وعزز ذلك نزول القرآن الكريم بهذه اللغة العظيمة، إضافة إلى ركائز أخرى كالجغرافيا والتاريخ المشترك والهوية ووحدة المصير .
كان أبرز أقطاب الحركة القومية في القرن العشرين البعث الاشتراكي والتيار الناصري، إضافة إلى حركة القوميين العرب التي تأسست بواسطة مجموعة من الشباب العربي عام 1948م، وكان من أبرز المؤسسين الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد من فلسطين وهاني الهندي من سوريا والدكتور أحمد الخطيب من الكويت، وهناك من التحق بهم في الصف القيادي فشملت الحركة عدة أقطار عربية، كل هذه الحركات والتيارات التي تأسست في ذلك الوقت كانت تشترك في نفس المبادئ الحرية والوحدة والاشتراكية وقضيتها الأولى فلسطين .
اليوم عندما نتحدث عن القومية العربية نجد ـ للأسف الشديد ـ معارضة مغلوطة وكأن رفع راية القومية العربية فيها تنصل من الهوية الدينية؟! بل على العكس تماما، فالقومية العربية جزء أصيل في إطار الهوية الإسلامية، والحديث عن القومية العربية لا يتعارض مع الهوية الدينية، الأمر الآخر نحن عندما نتحدث عن القومية العربية فنحن ننادي بحالة مصيرية جامعة وليست حالة إقصائية، وبالتالي يتوجب من جميع الجماهير العربية بمختلف انتماءاتها واتجاهاتها دعم هذا التوجه والعمل على إعلاء الفكرة القومية إعلاميا وسياسيا، وهناك مشاريع قومية تقوم في جوار الأمة العربية وتجد كل الدعم من جماهيرها كالقومية التركية والفارسية مثلا، لذا فإن كل عمل جماعي عربي مشترك ينصب في إطار العمل العربي المشترك وتحقيق مبادئ عربية لازمة كالوحدة والتحرر، كما أن مفهوم الاشتراكية ليس كما يتبادر لأذهان بعض العرب وربطه بأفكار وأيديولوجيات بعيدة عن الإسلام الحنيف، بل هي من صميم روح الإسلام بما تعنيه من توزيع عادل للثروة، وتعبير عن العدالة الاجتماعية وإزالة الطبقية، وليس كما يساور البعض ربطها مع الأفكار الشيوعية أو غيرها، بل كانت أولى الخطوات في الإسلام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتقاسم الثروة والتكافل، وهي منطلقات طبقت في بعض عهود الدولة الوطنية في العصر الحديث، الأمر الآخر والأخير في فكرة المناداة بالقومية العربية أننا لا نساوم الفكرة القومية على حساب الدولة الوطنية، فهناك من يفصل بين الفكرة القومية والدولة الوطنية، وهذا فصل مغلوط وفهم مسيء للرابط المصيري بينهما، فالوحدة القومية تنطلق من إطار الدولة الوطنية، بل إن التنمية الوطنية وجوانب الدولة الوطنية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية تنشط في إطارها القومي المتكامل، كما أن الأنظمة العربية كانت وما زالت تعمل وفق هذه الفكرة القومية، فنشطت اللجان على مستوى العمل الجماعي العربي، وهذا أمر مفيد لمسائل الوحدة القومية العربية .
الفكرة القومية العربية هي فكرة جامعة أصيلة ذات مبادئ صالحة للمستقبل العربي، وعلى الأمة بكل أطيافها العمل على إعلاء هذه الفكرة القومية المصيرية لاستعادة العرب قوتهم وبناء نهضة عربية شاملة، ولكن ما يواجه هذه الفكرة سلبية التعاطي معها من قبل بعض الجماهير العربية، وغياب القيادات المحورية القادرة على لملمة هذا الشتات العربي للتخلص من الارتهان لقوى الخارج .
إن الفكرة القومية تتطلب حشد رؤية عربية إعلامية شاملة يدفعها إيمان جماهيري عميق بهذه الفكرة المصيرية، ومن هنا يبرز أهمية دور النظام الرسمي العربي في العمل على إيجاد الآليات اللازمة لتمكين هذه الفكرة من الساحة العربية، وذلك بعد تجربة مختلف التجارب السياسية خلال العقود الخمسة الماضية ولم تحقق أية أهداف للأمة العربية، ما ينبغي مراجعة أهمية فكرة القومية العربية وتعزيز هذه الفكرة لما تمثله من حالة مصيرية تحشد الأمة في اتجاه واحد يعزز العمل العربي المشترك والتضامن المنشود، بالاعتماد على الركائز والمبادئ الحقيقية التي طبقت في بعض العهود العربية وحققت نتائجها السياسية والاقتصادية والثقافية وعززت الهوية العربية، وأزالت الفجوة بين الجماهير العربية وقياداتها القومية، فأصبحت الجماهير العربية أداة من أدوات النضال وحاضنة عظيمة للفكرة القومية، فلم يستطع الاستعمار اختراقها؛ لأنها تمسكت بهذه الأفكار والمبادئ الخالصة فحققت للأمة وحدة الموقف، والنظام الدولي لم يختلف عما هو عليه اليوم .
ختاما فإن تعزيز فكرة القومية العربية وإعلاء شأنها ما زال يعول فيه على الوعي العربي للعودة إلى عهد التضامن والعمل العربي المشترك، ويبقى الدور على النظام الرسمي العربي لتفعيل الفكرة لإيجاد قاعدة قوية ينطلق من خلالها العرب للمستقبل .
لقد أثبتت التجربة القومية جدواها في عهود سابقة، فرغم الهزيمة في يونيو ١٩٦٧م، لكن الإرادة السياسية لم تنهزم وبقيت الأمة صامدة تدعمها وحدة الصف معززة مسارات العمل العربي المشترك، فتحقق انتصار أكتوبر ١٩٧٣م، الذي كان يمثل دلالات أن الأمة متى ما اتحدت وارتبطت بالفكرة القومية العربية الجامعة فإنها تعود لإثبات وجودها لاستعادة حقوقها والتخلص من هيمنة قوى الاستعمار، وهو ما يدعو النظام الرسمي العربي إلى استعادة فكرة القومية العربية وتفعيل آلياتها، بالتكامل مع جماهير الأمة لاستنهاض مشروع سياسي قومي عربي يجنب الأمة حالة الفرقة والشتات .
المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى