فن العازي
الفنون الشعبية العمانية جزء من التراث العماني غير المادي، وتختلف هذه الفنون من منطقة لأخرى ومن ولاية إلى أخرى في ذات المنطقة، فكما أن هناك فنونا خاصة بالبدو نجد فنوناً أخرى خاصة بأهل البحر وأخرى بأهل المناطق الداخلية، بعض الفنون كانت تُؤدى في أوقات الحرب لاستنهاض الهمم مثل الرزحة والعازي، وبعضها يُؤدى في رحلات جلب الرزق مثل الفنون البحرية أو التنقل من مكان لآخر مثل التغرودة، وبعضها لمجرد الترويح مثل فن الرواح وبعضها للتداوي مثل المكوارة … الخ.
تتميز الفنون الشعبية العمانية أنها وكما كان للرجال نصيبٌ كبير منها فإن للنساء نصيب وافرٌ أيضاً مثل فن التشح شح في الظاهرة وفن الحمبورة في الشرقية والويليلة التي تتشارك بها محافظة الظاهرة مع ولاية منح في المنطقة الداخلية التي تميزت فنونها باستئثار الرجال لها. وكما أن هناك فنونا عُمانية أصيلة هناك أيضاً فنون انتشرت وأصبحت جزءا من التاريخ العماني نتيجة للسفر الدائم للنواخذة والبحارة العمانيين إلى بلاد أفريقيا وزنجبار للتجارة مما أدى إلى تمازج الثقافات والتعايش مع الآخرين.
من هنا سوف نمضي للتعرف على هذه الفنون، حيث سنتحدث في كل مرة عن أحد هذه الفنون الشعبية، مركزين بشكلٍ أساسي على الأشعار المنظومة لها، ليتسنى للأجيال القادمة التعاطي مع الفن وكتابته لضمان استمراريته.
(1) فن العازي
هو فن من الفنون الشعبية الشهيرة بسلطنة عمان، تم إدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” وهو فن الإلقاء الشعري دون تنغيم أو غناء، يؤديه شاعر مبدع مُجيد لأصول الإلقاء الشعري، حافظ وراوٍ للشعر، هذا الشاعر يُسمى “العازي”، وهي صيغه اسم الفاعل من الفعل “عزى”.
الأصل اللغوي لكلمة العازي:
يقال عزا فلاناً إلى فُلانٍ عزواً، وعزيا: أي نسبه إليه. وعزا فلانٌ لفلانٍ أي انتسب إليه صدقاً أو كذباً، ويقال أيضاً: اعتزى فلانٌ بفلانٍ أي ناداه لنجدته، وطلب منه العون والمساعدة، أو استصرخ قبيلته واستغاث بها.
طريقة أداء الفن:
يتصدر شاعر العازي جماعته ممسكا بسيفه وترسه ، ويمضي سائرا وهو يلقي قصيدة الفخر أو المدح ، ويهزُّ سيفه هزّة استعراضية عند كل وقفة في الإلقاء، وهي الهزة التي يرتعش لها نصل السيف. وتبدأ قصيدة “العازي” عادة باسم الله وتنتهي بالصلاة والسلام على رسول الله.
يشارك مجموعة من الرجال يسيرون وراء شاعر العازي وهم يلفّون الساحة في دائرة مقفلة تحيط بالشاعر وتابعيه وهم يرددون عدة هتافات محدده في نمط موروث، وهذه الهتافات هي:ـ
1- وسلمت: تقال في هتاف قصير حاد نفّاذ، كان يصاحبه فيما مضى إطلاق الرصاص من البنادق، لا يزال المشاركون حتى الآن يشحذون بنادقهم في صوت مسموع مع هذا الهتاف الذي يلي البيت الأول من شعر المقطع الذي يلقيه الشاعر.
2-الملك لله يدوم: يمد شاعر العازي والمشاركون حرف الألف في لفظ الجلالة تأكيداً للمعنى واستشعاراً للعظمة الإلهية في هذا الهتاف الذي يكون في نهاية المقطع الشعري الذي ينشده الشاعر.
3- صبيان يا كبار الشيم: جملة ينهي بها شاعر العازي المقطع الشعري في مدح أو فخر أهله وعشيرته.
أنماط قصائد الشعر في فن العازي:
1-الألفية: وفيها تكون قصيدة الشعر مبنيّة على حروف الهجاء، حيث يبدأ كل مقطع شعري بحرف من حروف الهجاء، ابتداء من الألف ـ ولذلك سُمّيت بالألفية ـ وحتى الياء، ويختلف عدد حروف الهجاء في كل قصيدة باختلاف مقدرة الشاعر الذي كتبها وتمكنه.
2-العددية: تبدأ المقاطع الثلاثة الأولى ـ على الأقل ـ في هذه القصائد عدديا بقول الشاعر: الأولة، الثانية، الثالثة، وقد يُكمل بعض الشعراء المقاطع الرابعة والخامسة، وهكذا حتى العاشرة.
3-المُطْلَقة، وفيها تكون القصيدة غير مرتبطة بترتيب الحروف أو الأعداد، وإنما تتوالى أبياتها على سجية شاعرها ومبدعها وحسب الموضوع الذي تتحدث فيه.
*قد يسبق قصيدة العازي أو يعقبها صيحات يطلقها صاحب العازي، وهي صورة من صور الفخر، يبدؤها رجل العازي بكلمة “سود” ثم يُتبعها باسم من يريد أن يمدحه أو يفتخر به: أهله وقبيلته وبلاده وسلطانه وتراثه أو أي من كبار الشخصيات في تاريخ بلده قديما وحديثا.
الأصل في كلمة “سود” هو “أسود” ـ جمع أسد ـ وفي النطق تسقط الألف: يرددها المشاركون في صوت واحد، بينما يعدد العازي أسماء من يقـصدهم بالمدح أو يفتخر بهم، وتنتهي هذه الصيحات بقول صاحب العازي : والمسلمين تكبر ، فيرد عليه جميع المشاركين : “الله أكبر” في صيحة تقشعر لها القلوب وتستجيب لها الأرواح، وبنفس هاتين الجملتين يُختتم فن العازي. ومن الأمثلة عليها قديماً:
أسود ولاد العم
أسود بحر طم
أسود مشهورين
أسود مخبورين
أسود أهل الناموس
أسود العدو منكوس
نهج القصيدة في فن العازي:
الأبيات في هذا الفن تندرج في الشعر الفصيح تحت “مجزوء الرجز” بتفعيلتين تامتين هما: “مستفعلن مستفعلن” وقد يزيد حرفاً أو حرفين في آخر التفعيلة الثانية.
وفي الشعر الشعبي يُسمى بحر “الحِداء” ويُنطق “الحِدا” ومن الأمثلة عليه هذين البيتين من نمط “الألفية” للشاعر أبو هلال السوطي:
الزا زئيـر الشبـل زال ~~ حسّه توقـــف وانكتم
والود أمثال القتـال ~~ ما يْقاومه كل من قحم
وفي محاولة مني لكتابة هذا الفن أو الأدب الشعبي العماني القديم جاءت هذه الأبيات على نمط “العددية”:
الأوله حمدِ عظيم ~~ للخالق الربّ الرحيم
من نزّل الذكر الحكيم ~~ تخشع له قْلوب الأنام
***
والثانية حيّ البلاد ~~ العامرة سهل وْبواد
من ذكرها بالكون ساد ~~ عْمان يا أرض السلام
***
والثالثة طولٍ وعرْض ~~ في بحرها وبْكلّ أرْض
حبّ الوطن سنّة وفرْض ~~ حنّا لها درع وْحِزام
***
والرابعة قول وْفعل ~~ قابوسنا الشهم البطل
من قاد شعبه بالأمل ~~ اسمه وتاريخه وِسام
***
والخامسة حبه سطى ~~ عزمه مع الفعْل امْتطى
قابوس كفّه بالعطا ~~ فاقت على جود الغمام
***
والسادسة شعبك جنود ~~ لله وفْ جيشك أسود
واللي بذلته لك يعود ~~ بالخير في شرع العِظام
***
والسابعة لبى الندا ~~ شعبك، ولك كان الفِدا
من جابهه لاقى الرِدى ~~ بالفعْل ما هو بالكلام
***
والثامنة حب الوطن ~~ ثابت على مرّ الزمن
يصحبنا حبّه للكفن ~~ حتى ولو تبلى العِظام
***
والتاسعة أدعي الإله ~~ في سجدتي وبْكلْ صلاة
يجزل عطاه لْمن دعاه ~~ بْجنته مسك الخِتام
***
والعاشرة صلوا على ~~ من حنّ له جذع وْبكى
قدره على العالم عَلا ~~ شفيعنا يوم الزحام
** المراجع:
1. http://al3inmoon.com/vb/showthread.php?t=283532
2. http://www.gulfcollege.edu.om/forum/showthread.php?t=447
3. http://mycommunity123000.blogspot.com/2014_04_01_archive.html
4. http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=14721
5. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B2%D9%8A
6. http://www.eyoonsohar.com/vb/showthread.php?t=1242
بدرية البدرية