محمد بن سعيد الفطيسي
لا بد من تفحص المعلومات والتقارير والإحصائيات والأرقام الواردة في تلك الخطابات والتصريحات الإعلامية والصحفية ومدى مصداقيتها ودقتها وصحتها قبل نشرها أو الإعلان عنها، وخصوصا الأرقام والمعلومات والبيانات التي تلامس حياة الناس والمجتمع بشكل مباشر، فكما يعلم الجميع أن المتلقي اليوم يختلف كثيرا عن المتلقي في الأمس.
نعلم جميعا أن هناك العديد من القرارات والتصريحات الرسمية التي تطالعنا بها وسائل الإعلام المرئية منها والمقروءة والمسموعة والإلكترونية بشكل دوري ودائم, وكما هو معروف لدى الاختصاصيين بأن أهداف القرارات الإدارية لأي دولة أو مؤسسة تنحصر في تحقيق المصلحة العامة أو تحقيق الهدف الذي خصصه المشرع لإصدار ذلك القرار, وتسعى في مضمونها في تحقيق رؤية استراتيجية أو تكتيكية, وكلا الهدفين في نهاية المطاف لا بد أن يلتقيا في رؤية واحدة. وأقصد خدمة الوطن والمواطن.
إنما ـ وللأسف الشديد ـ فإن بعض تلك القرارات والتصريحات لا يمكن أن توضع في خانة القرار الرشيد, وذلك بسبب ما ينتج عنها من انعكاسات وتأثيرات سلبية على الدولة والمجتمع وخصوصا في جانب الأمن والاستقرار. وبشكل موجز، يمكن أن نقول: إن ذلك القرار الذي قصد من ورائه التطوير والتحسين والتنمية وخدمة المجتمع أو إدارة أزمة ما, تحول بدوره إلى أزمة أكبر بكثير من المشكلة التي أريد به معالجتها أو حلها. لذا نطلق على هذا النوع من القرارات والتصريحات بالمتسرعة وغير المدروسة بشكل احترافي.
في المقابل وبسبب تخوف بعض من المسؤولين والمشرعين من نتائج بعض قراراتهم أو خوفا من بعض النتائج العكسية لبعض الحقائق والمعلومات التي يمكن أن تؤثر على مراكزهم ومناصبهم, يلجأون إلى أسلوب التعتيم والتكتم والسرية عليها, ظنا منهم أن هذا الأسلوب هو الحل الأمثل لتلافي تلك الانعكاسات السلبية والمعلومات والإحصائيات على المواطن ومؤسسات المجتمع المدني, وغالبا ما تصبح الأدراج المقفلة بثلاثة أقفال في مكاتب تلك الشريحة من المسؤولين هي الأماكن المناسبة لإخفاء المشاكل العامة التي يخشى المسؤول إثارتها أو يرغب في تأخير الإعلان أو التصريح عنها.
والحقيقة أن كلا الفريقين على خطأ, فالفريق الأول: سيتسبب في مشكلة أكبر بكثير من المشكلة أو الأزمة التي أريد معالجتها أو حلها أو احتواؤها بذلك القرار أو التصريح الذي تناقلته وسائل الإعلام. أما الفريق الآخر: فقد يتسبب هو كذلك في حال فضح أمر ما تكتم عليه من حقائق ومعلومات أو تبين تحريفها أو تزييفها أو طمسها في الوقوع في أزمة لا تقل عن أزمة الفريق الأول, وفي نهاية المطاف, فإن كلا الفريقين تسببا في مشكلة أكبر بكثير من المشكلة التي أريد حلها بذلك القرار أو من خلال التكتم والتعتيم عليه, أو من خلال محاولة إيصال معلومة مهمة أو مطلوب أن تطلع عليها الجماهير.
وهنا نطرح السؤال الآتي: ما أسباب نجاح البعض وفشل البعض الآخر في إدارة عملية طرح القرار من الناحية الإعلامية والإدارية؟ ونجيب عن هذا السؤال في نقطتين تحديدا:
أولا: إن أي قرار أو تصريح رسمي أو محاولة الإدلاء بمعلومة أو أرقام أو إحصائيات رسمية عبر مختلف الوسائل الإعلامية يجب أن تمر بمراحل من الفحص والتمحيص والتفكيك اللغوي والنفسي والاجتماعي قبل طرحها على المواطنين, ولا يجب الاستهانة بهذا الأمر أبدا, أو الاستخفاف به أو التقليل من شأنه وأثر انعكاساته الخطيرة على الدولة والمجتمع مطلقا.
لذا نلاحظ امتلاك العديد من المؤسسات الرسمية الأجنبية العديد من الخبراء والاستشاريين والمحللين والناطقين الإعلاميين المتخصصين في هذه المجالات تحديدا, فهي تدرك صعوبة تدارك الانعكاسات السلبية لبعض القرارات أو المعلومات على المجتمع, وبالتالي فإنها تلجأ لتفحص ذلك القرار ودراسة آثاره وانعكاساته السلبية من مختلف النواحي بشكل جيد قبل وصوله للشارع أو المتلقي. وبشكل مختصر، فإن أي قرار أو بيان رسمي يصدر دون مراعاة للعديد من الجوانب اللغوية والضوابط النفسية والاجتماعية, سيؤدي إلى نتائج خطيرة, ويصعب تداركها لاحقا.
ثانيا: لا بد من تفحص المعلومات والتقارير والإحصائيات والأرقام الواردة في تلك الخطابات والتصريحات الإعلامية والصحفية ومدى مصداقيتها ودقتها وصحتها قبل نشرها أو الإعلان عنها, وخصوصا الأرقام والمعلومات والبيانات التي تلامس حياة الناس والمجتمع بشكل مباشر, فكما يعلم الجميع أن المتلقي اليوم يختلف كثيرا عن المتلقي في الأمس. كما أن الجيل الراهن يفرق كثيرا عن الجيل السابق, فأغلبنا اليوم يستطيع الحصول على المعلومة, بل ومتابعة مساراتها, واكتشاف مصداقيتها وصحتها, كما أن الجيل الراهن هو جيل مثقف، وجيل متعلم، يصعب كثيرا إقناعه بمعلومات تتنافى والعقل والمنطق والواقع, وبالتالي فإن أي تصريح لا يلتزم بالدقة والمصداقية والصراحة والعقلانية في الطرح سيؤدي في نهاية المطاف إلى انحراف الهدف عن غايته والوقوع في مشكلة أكبر بكثير من المشكلة المراد حلها أو احتواؤها من خلال ذلك القرار.
لذا كان من الضروري عند الرغبة في طرح بعض الإحصائيات أو الأرقام أو بعض المعلومات أو التصريح عن قرار ما إعلاميا, أن يتم دراسة ذلك بشكل جيد جدا, ومن جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها من النواحي ذات الصلة, ووضع سيناريوهات محتملة لما يمكن أن ينتج عن ذلك القرار من انعكاسات نفسية أو اجتماعية أو حتى أمنية على المجتمع, كما يجب أن يتم التحقق بشكل كامل من البيانات والمعلومات الرسمية قبل التسرع بنشرها إعلاميا للجمهور.
وبمعنى آخر، لا يجب التسرع في التصريح أو الإدلاء بأي معلومة للمؤسسات الإعلامية خصوصا من قبل الجهات الرسمية أو المسئولين الرسميين قبل التأكد من صحتها، ومن ثم دراسة تأثيراتها وانعكاساتها على الجمهور. كما يجب أن يقوم بالإدلاء بتلك المعلومات والإحصائيات والقرارات شخص متخصص وقادر على إيصال تلك التوجيهات بشكل مدروس وعلمي للمتلقي والمؤسسات الإعلامية.
فأسلوب القص واللصق المتبع لدى العديد من دوائر القرار الرسمي عند نشرهم لبعض المعلومات دون التحقق من دقتها وصحتها ومطابقتها للواقع والمنطق وعقلية الجماهير وثقافة الشارع في القرن الـ21, هو أسلوب متخلف علميا وإداريا ولا يؤكد سوى امتهان عقول الجمهور والقراء, وضعف استقراء أو عقلية القائمين على تلك المؤسسات وسوء إدارتهم وتخطيطهم وضعف مقدرتهم على إدارة مؤسساتهم, وبالتالي سيؤدي إلى نتائج عكسية يصعب تلافي نتائجها على المجتمع والشارع, وهو ما قد يؤدي لاحقا إلى الإخلال بالأمن العام والاستقرار الوطني من خلال زيادة نسبة الحنق والامتعاض والغضب لدى الجماهير.
إن العديد من المشاكل والإشكاليات والأزمات التي تهز مجتمعاتنا اليوم, وتسبب الكثير منها بالإخلال بالأمن العام والاستقرار الوطني, هي نتيجة مباشرة لبعض القرارات والتصريحات الإعلامية الرسمية المتسرعة وغير المدروسة بشكل علمي, أو تلك التي يتكتم عليها بعض المسؤولين وتختم بعبارة “سري” أو “سري جدا”, لأنها ـ وللأسف الشديد ـ لا تنسجم مع أهوائهم وتوجهاتهم, أو تفضح ضعف مقدرتهم وتقصيرهم في أداء وظائفهم الرسمية, أو يمكن أن تكشف تجاوزاتهم وفسادهم الإداري والمالي.
عليه وكما أشرنا في سطورنا السابقة من أنه يجب التعامل مع التصريحات والمعلومات والأرقام والإحصائيات والإعلانات الرسمية التي تنشر عبر وسائل الإعلام بشكل علمي ومنطقي, ويجب دراستها بشكل جيد وتخصصي قبل نشرها أو طرحها للجمهور, كما يجب أن تتخذ المؤسسات الرقابية دورها في كشف المعلومات والأرقام والإحصائيات التي يتم التستر عليها خوفا من كشفها من قبل بعض الجهات الرسمية أو القائمين عليها, لأنه وفي كلتا الحالتين ستكون النتائج كارثية ووخيمة على الأمن الوطني واستقرار الدولة والمجتمع, وستؤدي انعكاساتها السلبية إلى تهييج الرأي العام وزيادة الحنق والامتعاض لدى الجماهير.