في الوقت الذي تتسابق فيه الدول على مستوى الحكومات والمؤسسات الخاصة في العالم لدعم منظوماتها الإعلامية، وحماية صحفييها من أصحاب الكلمة والرأي, ظل الجميع هنا في موقف المتفرج، وهو يرى مؤسساتنا الصحفية التي شكلت واجهة لعُمان وسجلًا يسطر إنجازاتها التنموية تتساقط واحدة تلو الأخرى دون أن نرى أو نلمس أي تحرك أو بادرة أمل تذكر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في الوقت الذي بات فيه صحفيو عُمان مهددين بفقد وظائفهم، وينضمون إلى قائمة الباحثين عن عمل.. فلم يشفع للصحافة الورقية ولا لصحفييها السنوات الطويلة من التضحيات والجهود التي قامت بها وتقوم بها من أجل عُمان وأبنائها أن تحرك ساكنًا، حتى تلك الشركات والمؤسسات التي راهنت عليها الصحف الورقية في هذه المرحلة للوقوف معها في وقت الأزمات كانت أول من أغلق أبوابه أمام صحافتنا رغم كل المناشدات التي توجهت بالدعم مقابل الحصول على مساحات إعلانية وخبرية تدعم توجهات هذه المؤسسات.
ومع كل المحاولات التي تبذلها الصحف الورقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، طرحت المؤسسات الصحفية أمام الجهات المعنية في البلاد بدائل وخيارات عديدة يمكن أن تكون حلولًا جزئية لمعالجة واقع الصحافة في هذا التوقيت الحساس والمهم في مسيرة إعلامنا العماني الذي طالما كان الوجه المشرق والمشرف لعُمان في مختلف المحافل المحلية والدولية، فهي في النهاية مؤسسات وطنية احتضنت كفاءات وطنية من أبناء الوطن الذين سطروا بأقلامهم منجزات النهضة وعطاءاتها بكل تفاصيلها.
لقد جسد الإعلام على مدى ما يقارب خمسة عقود ملحمة وطنية أبرزت مشاهد تنموية مختلفة، عكست مسارات التنمية وأهدافها واحتياجاتها، وقدم الإعلام بكل مكوناته وإمكاناته المتواضعة وتحديدًا مع بدايات مسيرة النهضة المباركة تضحيات كبيرة، مستنهضًا كل الطاقات والهمم لأجل عُمان زاهرة مستقرة، ومستلهمة النطق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ عندما قال “سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب”، وقتها كان الإعلام العماني يصدح بصوته وقلمه في كل ربوع المعمورة، شاحذًا الهمم في الداخل والخارج ومسجلًا صفحات مشرقة من العطاء والبناء.
وعملت الصحافة الورقية بجانب مثيلاتها من وسائل الإعلام الأخرى بكل طاقاتها وسواعد أبنائها لترجمة الأهداف التنموية التي تركزت في جوانب متعددة اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية، مستثمرةً في ذلك موارد بشرية ومالية ضخمة بملايين الريالات تمكنها من مواكبة التطورات الحديثة في مجال الصحافة والإعلام من جهة، وأيضًا تُمكِّنها من نقل المعلومة بمهنية عالية عبر الاستثمار الأمثل في شبكات الاتصالات والتقنيات الحديثة، وفي فنون الطباعة والإخراج، بجانب توفير شبكات واسعة من الصحفيين والمراسلين ووكالات الأنباء من مختلف دول العالم من جهة أخرى.
وكانت الصحافة وما زالت واجهة عُمان في الخارج، حيث نقلت للعالم صورًا متعددة من الحياة التنموية والحضارية لعُمان بكل تفاصيلها، وأبرزت السياسات والتوجهات التي قامت عليها السياسة العمانية الداخلية والخارجية القائمة على مبدأ الإخاء والسلام والمحبة، وعدم التدخل في شؤون الغير، وتغليب الحوار حلًّا لكل الخلافات. كما أنها كانت السد المنيع والحصن الحصين لصد الهجمات التي كانت تحاول النيل من مقدرات هذا البلد ومنجزاته وسياساته، خصوصًا في ضوء الانفتاح الإعلامي وظهور وسائل إعلامية متنوعة عملت على تزوير الحقائق وتشويهها، لكن الصحافة كانت حاضرة بقوة في التعاطي مع كل الحملات المغرضة بحكمة وموضوعية عالية.
ومع كل الصعوبات والتحديات التي واجهتها الصحافة الورقية في السلطنة، إلا أنها كانت حريصة على الدفع بالقطاع الاقتصادي وتعزيز دوره عبر تخصيص المساحات الخبرية والإعلانية للمؤسسات والشركات في تلك المراحل من مسيرة النهضة.
ويوم أن كانت تلك المؤسسات لا تملك من الموارد المالية والبشرية إلا الشيء اليسير كانت الصحافة تأخذ بها، وتعزز من حضورها ووجودها من منطلق واجبها ومسؤولياتها الوطنية تجاه مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة لنجدها مؤسسات مالية عملاقة شامخة نعتز ونفتخر بها جميعًا. في المقابل صاغ الصحفيون العمانيون العاملون بالصحافة الورقية مراحل الإنجاز التي تحققت في ربوع الوطن، مسخرين وقتهم وعصارة فكرهم للدفع بمسيرة البناء والتنمية منذ بواكير النهضة المباركة بمصداقية وموضوعية، وجسدوا صورة مشرفة للإعلامي العماني الذي يمتلك القدرة على تناول مختلف القضايا المحلية والعالمية وفق الأسس والمحاذير التي تراعي مصالح البلاد والمجتمع وبما يرتقي بعُمان والإعلام للمكانة التي ينشدها الجميع، وطنًا وقيادة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن