يعتبر مسلسل “النهاية” هو أول عمل درامي عربي في مجال الخيال العلمي، ويعرض على العديد من الشاشات العربية، ويحظى بنسب مشاهدة عالية بفضل الاعتماد على التقنيات البصرية والفنية عالية الجودة، واقتحام عالم المستقبل من خلال رؤية جديدة للصراع بين البشر، تتعاظم خلالها الأجهزة الآلية والتكنولوجيا الرقمية، ويتنبأ بتطور الذكاء الاصطناعي ومكانته.
مستوى الخيال العلمي الذي قدمه المسلسل جيد مقارنة بالمستويات الإنتاجية في هوليوود مع فارق الإمكانات الفنية والتقنية والمادية، ومع اعتبار “النهاية” أولى التجارب، في الوقت الذي يعتمد فيه إنتاج هوليوود على خبرات تراكمية عبر عقود من الزمن؛ لكن في نفس الوقت استوقفني عدد من الرمزيات التي تعرض لها المسلسل.
في سياق سرد الأحداث ظن المشاهدون أن الصراع بين الإنسان والآلة؛ ولكن مع قرب نهاية المسلسل اكتشفوا أن العملية صراع بشري وجودي على الحياة، وصراع من أجل البقاء والهيمنة على الأرض، وأن الإنسان دائما ينتصر في مواجهة الآلة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وترقي استعماله.
اختيار مدينة القدس بؤرة للأحداث التي ينطلق منها المسلسل، إشارة إلى أنها ستظل أم القضايا، حتى وإن كانت مجريات المسلسل لم تتعرض لمآلات الصراع البشري الجغرافية والدينية في المنطقة، رغم استمرار التمسك بالقدس كمسرح للأحداث، مع انصهار القوميات وتلاشي الجنسيات.
فكرة الاعتماد على الطاقة المتجددة بديلا عن مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز، مقبولة من حيث تناولها الموضوعي داخل الدراما؛ على الرغم من أنها ليست جديدة، وكافة الأعمال الفنية الغربية قامت انتهجت نفس الفكرة، وربما كان اختيار المنطقة كمسرح للأحداث بسبب وفرة الطاقة الشمسية بها بأكثر من 3 آلاف ساعة سنويا؛ لكن العالم الافتراضي الجديد الذي يقيمون فيه والمعتمد على البطاريات الشمسية لم يحدد موقعه الجغرافي لبيان عدد الساعات الشمسية السنوية كنوع من تماس العمل الفني مع الواقع.
الذكاء الاصطناعي بات واقعا ولم يعد خيالا علميا، والإنتاج الأدبي غزير بالروايات والقصص التي تحاك أحداثها في سياق التعويل عليه؛ وفي مسلسل “النهاية: تم تطوير الإنسان الآلي ليأخذ نفس الشكل البشري وملامحه، وتم ترقية استيعابه لما يدور حوله، وتغذية طموحاته، وخلط مشاعره؛ لكن عند الحديث عن عالم المستقبل وتوقعاته، أعتقد أن فكرة نقل ملفات الوعي من البشر إلى “الروبوت” هي فكرة جديدة ربما تظهر مستقبلا، ووقتها ستكون الخطورة على البشرية قريبة لما عرضه المسلسل.
رمزية نهاية العالم عبر الإسقاط عليها برمزيات أخرى كالمسيخ الدجال، والسعي للخلود في الحياة الدنيا، تم التعرض لها كثيرا بصور مختلفة ومتماسة مع هذا العمل، لكن فكرة تقديمها جديدة لأنها تتناسب مع ثوابتنا العربية وإرثنا التاريخي والثقافي والإثني، إذ تم تقديمها ارتكازا على أن فلسطين أرض الميعاد، ووضع فكرة عصيان الخالق في نطاقها السلبي المرفوض مجتمعيا.
قد لا أكون تناولت كل الجوانب الفنية، ولا أستطيع أن أجزم بما تحمله الأيام القادمة من أعمال مشابهة؛ لكني أعتبر أن مسلسل النهاية هو إرهاصة جديدة في عالم الإبداع الفني القائم على الافتراضية الكونية بما لا يمس الثوابت والمعتقدات، وأن المشاهد العربي مؤهل لقبول أعمال فنية مشابهة سواء سينمائية أو درامية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن