العقيدة الربانية بخصائصها العظيمة من شأنها أن تؤثر فـي الفرد أيما تأثير ولم نشاهد منها إلا ما استحلى وعذب من مكارم الأخلاق وفضائلها
تغطية وتصوير- سالم بن عبدالله السالمي:
ألقى سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة مساء أمس الأول عقب صلاة العصر بجامع السلطان قابوس بنـزوى محاضرة دينية بعنوان ( العقيدة واثرها في بناء الشباب ، حيث استهل سماحته المحاضرة بالحمد والشكر لله سبحانه وتعالى والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال :أن البناء التربوي السليم للشباب لا بد أن يقوم على عقيدة صحيحة, وهذه العقيدة الصحيحة تستمد صحتها وسلامتها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وهما أساسان مهمان للبناء التربوي السليم فالعقيدة الصحيحة هي التي ترتقي بالإنسان إلى المكان اللائق به،لذا فقد كان أول شيء دعا إليه الرسل الكرام هو تصحيح العقيدة التي هي أساس كل شيء، فكان التوحيد الخالص المنزه عن الشركيات والبدعيات هو شعارهم جميعا , قال تعالى : « لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) سورة الأعراف , وقال : « وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) سورة الأعراف ,وقال : « وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) سورة الأعراف.لذا فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة بعد بعثـته ثلاث عشرة سنة يدعو الناس لتصحيح العقيدة وإلى التوحيد، ولم تـنزل عليه الفرائض ولا التشريعات إلا في المدينة، فالعقيدة ينبني عليها العبادات والمعاملات وجميع التصرفات , وبدون صحة العقيدة وسلامتها تسقط الأعمال وتصبح هباءً لا وزن لها , قال تعالى مخاطباً صفيه محمداً صلى الله عليه وسلم : « وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) سورة الزمر.
وأضاف سماحته: إن هذه العقيدة الربانية بهذه الخصائص العظيمة من شأنها أن تأثر في الفرد أيما تأثر، فلم نشاهد منها إلا ما استحلى وعذب من مكارم الأخلاق وفضائلها، وما سكنت إليه النفس واستراحت، ومن ارتدى هذه العقيدة أضحى في أجمل مظهر وفي أعبق رائحة وفي أحسن صورة، عقيدة تدعو إلى العبادة والتقوى والجد والعمل والترويح كذلك، وتعد بطيب الحياة في الدنيا وفي الآخرة…وأن الجنة لمن اتقى والنار لمن عصى واستكبر، فكانت الحياة ميدان سباق نحو التقوى والعيش الرفيع في كنف الله واستحضاره في كل أعمالنا وفي حلنا وترحالنا. قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)، وغيرها من الآيات الكثيرات التي تتحدث عن التقوى وربطها بالجنة.
وقال: لقد خلق الله عباده وكلفهم بالعبادة وعمارة الأرض وأكرمهم بمكارم الأخلاق وأمرهم بها حتى غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في الإيمان الصادق والأخلاق العظيمة ،ثم وعدهم برضوانه والدخول إلى جنته ، وكذا أنذر وتوعد كل من يخالف هذه العقيدة ومن لا يربط الإيمان بالعمل ويتخذها أماني فقط، توعدهم بالعذاب والشقاء قال عز من قائل: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) [النساء : 123 ، 124] ، فإذن هذه العقيدة العظيمة عقدت في القلب فانفجر نورا مضيئا من الأعمال الصالحة ذلك أن المصدر هو الله نور السماوات والأرض، وتركت آثارا واضحة في الفرد لذا لا يعبد الله عن جهل كما لا يستطيع الفرد العيش في جهل مطبق، والعلم يشمل كل نواحي الحياة دينا ودنيا، والمؤمن مطيع لربه إذ يأمره في أول آية أنزلت في القرآن الحكيم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10، 11]، ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .
وقال سماحته : حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أوصاه فقال : « إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ.
واختتم سماحته محاضرته بالتأكيد على أن الإسلام اهتم بتربية الشباب المسلم على عقيدة التوحيد الخالص منذ الصغر، فندب الوالدين إلى التأذين في أذن الطفل حين ولادته حتى يكون أول ما يقرع أذنه كلمات التوحيد فالطفل يولد على فطرة العقيدة الصحيحة , ويجب أن يربى عليها , ولا يحيد عنها , قال سبحانه وتعالى:» فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الهَِن ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ.