زهير ماجد
ثمة ظن يعيشه الناس بأن الحروب طارئة في حياة الأرض، وان السلام اساس الحياة، وبالاعتقاد الراسخ، فإن العكس هو الصحيح، اول تفكير الانسان كان البحث عن ادوات يدافع بها عن نفسه خوفا من الآخر الذي هو بدوره يفعل الفكرة ذاتها، فإذا بمفهوم الامان الذاتي تتطور ادواته لتصل إلى ما صارته اليوم من تطوير مذهل ومن قدرة على القتل الجماعي والابادة لمئات الالاف وربما المليون واكثر بنقبلة واحدة.
لنقرأ التاريخ بمنطق التفكيك، سنجد حروبا بالجملة بينها فترات استراحة المحاربين .. هي هدنات من يراجع النتائج كي يبني عليها ويقرر بعدها كيف يحضر وما هي الأسلحة الأكثر نجاعة وفتكا، بل ماذا ستكون عليه بعد حرب تنتهي ولا تنتهي، من هنا جاءت فكرة حروب تلد حروبا، من صلب خلية الانسان المحكومة بالصراع الحاد بداخلها والتي تفرض عليه ان يستجيب لها مخترعا شتى الحروب من اجل ان تعيش تلك الخلية وتنمو بحرية وراحة بال.
عندما كنا نقرأ عن حروب دامت مائة عام في اوروبا او عشرات السنين او اخرى في قديم الازمان، كنا لا نصدق ان بإمكان الشعوب ممارسة حروب خلال تلك الفترات. وما ان رأيناها في القرن العشرين حتى عرفنا حقيقة الأمر، بل عندما دخلت الحرب اللبنانية في جلودنا ودامت خمس عشرة سنة، لم نكن نصدق كم هو الزمن سريع الاداء لتسقط اوراق السنين مع تساقط القذائف على الآمنين الذين ذنبهم انهم ولدوا كي يعيشوا اهوالا كتلك، ثم يقومون الى الراحة من الرصاص والقذائف فيما تستمر الحرب بالكلام وبالمعاني وبالتكتلات ولدى البعض نهم لتجددها، فهي تعيد لهم الاعتبار والحضور والقيمة، الى ان تندلع من جديد.
لم افهم الحياة البشرية الا من هذا المنظار، بل عندي مفهوم موائم لها، ان الحب طارئ والكراهية هي الأساس، دلوني على شعوب تحب الأخرى، على اقارب يتمنون الخير لبعضهم البعض، وحتى على اخوين يتنافسان دون ان يعلنا الأمر بينهما. لكن ما يهمنا من كل ذلك هي الحرب، التي يمكن ان تكون نهج الانسان وروح القيادات .. بل ان الأمر ببساطة هو اما حرب أو استراحة محاربين وليس سلاما كما يقال، ويكاد ان يختصر الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر المسألة بجملة اثيرية قالها للسوفيات ذات يوم، انه اذا اردت السلام فعليك ان تستعد للحرب، بل ان ثمة خطة عسكرية موازية لهذا المفهوم ايضا وهي سوفياتية المنشأ ومفادها ان خير الدفاع هو الهجوم.
فلا عجب بالتالي ان استمرت الحروب في المنطقة سنوات اخرى وخصوصا في سوريا والعراق وليبيا واليمن .. في الوقت الذي لم ينته الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين على احقية الارض والتاريخ، وبين العرب واسرائيل على الوجود.
عندما كتبت يوما ان الحرب على سوريا قد تتجاوز السنوات العشر، استكثرها الاصدقاء وبعض القراء، والحقيقة انني لم اكن ابالغ، وما زلت مصرا على التوقيت وقد اراه احيانا اقل مما هو في الواقع. ولنفترض ان لغة الرصاص والمدافع والاقتحامات قد توقفت، فلن يعني هذا ان الحرب انتهت بقدر ما هي توقف للموت المجاني كي تنتصر استراحة المحارب، وحياة الانسان في كل مكان استراحة محارب.