زهير ماجد
علينا حفظ هذه المعادلة: ممنوع سقوط غزة، بمعنى احتلالها من قبل إسرائيل .. وهذا لن يتم لا داخليا من قبل الصد الغزاوي، ولا من قبل المحور المقاوم والذي بات معروفا امتداده، محور المقاومة في أقصى تأهبه، وهو حاضر وجاهز ومتبادل بخططه التي صارت نهائية، ومستعد للتدخل عندما تدعو الحاجة، وما خطاب علي خامنئي وحسن نصرالله ومحمد الضيف وسليماني سوى أنه يصب في النقطة ذاتها، مع أن آخر تقارير القيادة في غزة إلى قيادة حزب الله هو الاطمئنان في شتى الأمور .. كما يجب أن يكون مفهوما أن نزع سلاح غزة يكون بالتبادل مع نزع سلاح إسرائيل قبلا، سلاح المجرمين والقتلة والأوباش ومصاصي دماء الأطفال والخارجين على القانون .. كما يجب أن يفهم أكثر فأكثر هو البحث عن كيفية معاقبة جامعة الدول العربية المشاركة في العدوان سواء بصمتها أو التماهي مع الإسرائيلي وكانت من أشد المتحمسين للعدوان على سوريا، كما أنه من باب المفعول الرجعي محاكمة هذه الجامعة أيضا لأنها من أعطى إشارة تدمير ليبيا ..
خلافا لذلك، فإن غزة بخير، تنسج من لحم أطفالها ونسائها ورجالها صمودا أسطوريا قل نظيره في التاريخ، ثم هي تصنع بسواعد مقاتليها صورة مستقبل المنطقة الذي ستتهاوي فيه عروش وقيم، وسيكون هنالك بدائل عن بعض العرب الذين قدموا لإسرائيل ما ذهبت إليه في عدوانها الجهنمي الذي لم يسبقها إليه حتى هتلر في أبشع ما ارتكبه.
الآن سيتدخل الجميع من أجل إطلاق الضابط الإسرائيلي الأسير الذي صار بيد المقاومة .. وسيكون بعض هذا العرب من أوائل المتصلين؛ كل على طريقته الخاصة بالبحث عن الوسيلة التي ستحقق مبتغى إسرائيل، خصوصا وأنهم باتوا يجيدون العبرية بطلاقة والتحدث بها في الهواتف المتنقلة بين عواصمهم وبين تل أبيب .. وقد يتناهى إلى أسماعنا غدا أو بعده، كم من أخبار الحراك العربي والإسلامي من أجل إنقاذ الضابط سليل الإجرام.
الآن ينطبق علينا المثل القائل بأننا “عشنا ورأينا”، جيلنا القومي الذي لن تخونه ذاكرته عن عرب باعوا هوياتهم العروبية في السابق يبيعونها الآن وفي كل وقت .. عرفنا الآن أن أناشيد وطنية باتت كاذبة لأن لحنها لا ينسجم مع تراث أمة عظيمة أنتجت لنا كبارا في عصور شتى .. سنظل نفتقد جمال عبدالناصر كلما لاحت التفاتة إجرام بحق الأمة .. وسيظل عقل حافظ الأسد الذي تفاهمنا معه أن إياكم ومصالحة إسرائيل، هكذا أيضا قاله الرئيس اليوغوسلافي تيتو في مطلع الثمانينات لياسر عرفات. من المؤسف أن بعض العرب تتصالح قلوبهم مع العدو التاريخي أكثر من أيديهم.
غزة منتصرة، لا تنظروا إلى حجم شهدائها، تطلعوا إلى قامة صمودها، وكيف تحول كل طفل وكل امرأة وكل رجل إلى متراس يحمي ظهر المقاومة ويقدم لها الحماية والرعاية، وكيف يتحدث هؤلاء المكلومون بلغة النصر وهم يودعون أحباءهم، لا شيء أهم من المقاومة برأيهم، وكلنا مقاومون هكذا لسان حالهم جميعا.
غزة تخل تاريخ البسالة، تضع نفسها في مصاف المواقع التي كان لها الأثر العميق في صنع تاريخ جديد مكتوب بلغة سرية اسمها الدم الذي لا يخون. ولأنها تنتصر، فمن اتفق مع إسرائيل ومن ما زال يشد على يدها، سيظل يطلب المزيد من الجرائم، لعل الغزاوي يقول الآه أو الآخ، تلك الكلمة السحرية التي لم نرها على شفاههم.