زهير ماجد
النفايات تحرك الشارع اللبناني، لكن الشارع مسيس قبل أن تزكم أنوف اللبنانيين نفايات لم تستطع الحكومة العتيدة إيجاد حل لها، فغرق لبنان فيها وغرقت معه الحكومة.
لم نسمع جملة “الشعب يريد إسقاط النظام” في لبنان إلا ليلة الصدام بين القوى الأمنية والمتظاهرين .. كانت غريبة على الشارع اللبناني المحكوم بهموم مختلفة، لكنه هذه المرة صارها في الصميم .. ومن سوء حظ حكومة تمام سلام أنها وقعت في فخ النفايات، فلم يكن من بد أمام القوى السياسية سوى البدء بمحاصرتها وتصيدها والعمل على إسقاطها، والمفارقة أنها لو استقالت بالفعل، لا صبح لبنان في مشهده المؤسساتي غارقًا في الفراغ حتى أذنيه، فلا رئيس جمهورية، ومجلس نواب معطل بعد أن مدد لنفسه سنتين واستراح.
لأول مرة منذ غرق العرب في كارثتهم التي بلغت من العمر خمس سنوات تقريبا، ينضم لبنان إلى قافلة المشهد المجهول المعلوم .. فكيف سيكون عليه بلد محكوم بميزات مختلفة عن كل العرب وهي الطائفية والمذهبية .. فهل تنقلب الأمور في لحظة من اللحظات العجائبية إلى مذهبية تخرج المطالب من دائرتها الاجتماعية لتضعها في اللعبة القاتلة للبنان بحيث تصبح بؤرة تفجيره لينضم إلى الواقع السوري، أم أن هنالك قدرة على ضبط الشارع ليظل في مطالبه السياسية، وتظل بالتالي حركته مطلبية دون أن تحيد عنها.
سنرى ذلك خلال الساعات القادمة، فإن أفلتت التظاهرات من الطابور الخامس تكون قد نجت، وإن أفلتت من الدس الإسلاموي الذي ربما جهز نفسه لاختراق الحالة الجديدة، يكون أيضا قد خرج من مجهول كبير .. وقد عودنا لبنان دائما على لحظاته المصيرية التي لا تخلو من مفاجآت من هذا النوع، ولا من قدرة على ضبط اختراقات رغم الاستعداد للتصدي لها.
رئيس الحكومة تمام سلام يطالب المتظاهرين بالانتظار إلى يوم الخميس، أي يوم اجتماع مجلس الوزراء المقبل، لكن على ما يبدو فإن المنظمة التي فجرت الموقف وتحمل عنوان “طلعت ريحتكم” لا يبدو أنها قادرة على ضبط شارعها حتى يوم الخميس، وهذا الشارع تجاوزها أيضا حيث جاءها الشباب من كل حدب وصوب وكأنه كان على موعد مع كلمة السر بتفجير لبنان.
لا نريد أن نستبق الأمور، لكن عودة إلى الوراء على ما يبدو لم تعد واردة، ففي داخل كل لبناني فكر سياسي أو حالة سياسية أو رغبة في السياسة، ثم هو بعدما رأى وسمع ما يجري حوله، لم يعد بإمكانه الصمت .. يريد التجريب، لكن التجربة أحيانا تأخذ إلى الكارثة في جو مختلف كلبنان، تبدأ تحت شعار ولا تنتهي فيه، بل ثمة من يركب الموجة، من يغير اتجاهها، من يرمي فيها مآلاته كي يحقق أهدافا خاصة.
إنها ثورة نفايات، فلا الحكومة قادرة على حل أزمتها، ولا الشعب قادر على الصبر وقد امتلأت شوارعه وأبنيته بها، صارت جبالا في كثير من الأماكن. إذن لا ضبابية في رؤية الآتي، لكنه محكوم بمجهول، صراع مفتوح بين قوة كرتونية اسمها الحكومة لكنها تملك أنيابا قد لا تسعفها طويلا، فيما كل بيت في لبنان مخزن سلاح إذا اتجهت الأمور بهذا المنحى الكارثي.