زهير ماجد
تتالت صرخات أبناء المنطقة في كل الشدائد التي داهمتها .. مرة صرخة ” وا إسلاماه ” ومرة ” وامعتصماه ” ، لكن المؤكد أن الصرخة الاولى رافقت الوقائع التي مرت، ومازالت مختزنة في جوف التاريخ تحكي آلاما وآمالا، انتصارات وانكسارات، تحررا من قيد أو سقوطا فيه.
اليوم نبحث في الكلمات المشابهة فلا نرى غير كلمة ” واعرباه”، من قلب كل منا تخرج مثل زفرة ضائعة، إنه الحنين الى أمة لها في قلوبنا ماهي الحاجة لأن نعيش كرماء عزيزي النفوس محررين من أي عبء، نمارس وجودنا على أنه الأثبت والدائم ولا شيء يعكره.
كثيرا مارددنا جملة ” أنا أفكر إذن أنا موجود”، لعبنا على المعنى كي نقول ” أنا عربي إذن أنا موجود” .. لقد لبست هذه المنطقة، من خلاياها ولدت، وفي كرمها عشت، وعلى آمالها حييت، واستمررت. أحب صحراءها وجبالها الشامخات ووديانها العميقة وسهولها الغنية بكرم الطبيعة، ومياهها العذبة التي هي الكوثر في المعنى الأحب .. اتغنى بفصولها التي تنبهني الى السحر المتغير والتبدل الجميل، ليس لي غيرها، ولا مكان لي بعدها ، انا خلية منها فكيف تهرب الخلية من قدر المكان الذي وهبه.
كم مرة مر عليها ليل طويل وخرجت منه معافاة بقوة الإرادة والعزيمة وزنود أبطالها، وتشوقهم للشهادة .. والمرة كانت مرات مشابهة، لم أكن اقرأ عن تاريخها ألا لأعرف السر الكامن فيها فلا يهمني كيف عانت، لأن جميع الشعوب عاشت المعاناة، وجميع الأمم بدأت حيث البحث عن الذات ودفعت ثمنه غاليا إلى أن وجدته واستقرت عليه.
نحن أيضا دفعنا الدم وفزنا بأن نظل هنا، نتوالد من أنفاس المكان ونحيا على زفراته، حتى بات المكان نحن فبات هو فينا. ومن أجل أن نعيش عليه، لم نتراجع عن خيار الدفاع عنه .. في كل متحف عربي لباس لمقاتل إسلامي أو غير إسلامي من أبناء المنطقة كم لبسه من أجل غايات وجوده ومن معه .. كنت أتأمل هذا اللباس لأعرف كم تحمل لابسه من حديده من أجل وقفة عز مبهرة.
لا أنسى في يومي ما كان في الماضي، هكذا من أجل مستقبلي. لكني اخاف على العروبة كلما ضيق العرب آفاق دورة التاريخ التي لصالحهم، من ان تنقلب عليهم. حقيقة خوفي ليست مصطنعة، انه المشهد الذي يتراءى امام عيني لينغص تفكيري ويأخذني الى سؤال الخوف هذا .. خوف من خسارة المكان، أي الاقتلاع من الخلية المتجذرة .، وأنا أعلم مكائد الأعداء الذين من ضرورة وجودهم ان يعبثوا بوحدة الأمة، وحرية أناسها، وتفكيرهم .. سر اقامتهم على الأرض أن تظل على لسانهم كلمة ” عدو” كي يظل شعبهم متوحدا له هدف محدد. هؤلاء الأعداء لايحبون أحدا منا سواء كنا ضدهم او معهم.
هم ضد العروبة وضد الأمة وضد وحدتها وضد تقدمها وسعادتها وما تملكه وما تعيش من أجله. لايصدقن أحد ان الصهيوني يلتصق ببعضنا محبة .. انه البغض في ذروة غلوائه وسيبقى. فواعرباه في كل اللحظات ان نفيق من سبات، ومن مكائد منصوبة لنا في كل مكان.