تواجه المؤسسات العمانية الصغيرة والمتوسطة تحديات وعقبات تزيد مع زيادة عددها، بدأت هذه التحديات تظهر في كثير من المؤسسات التي سدت أبوابها ولم يفلح الرهان في تجاوزها للصعوبات المتعددة، أبرزها تلك المتعلقة بالفرد والأسرة والمجتمع وما يتعلق بالوعي والإيمان بقدراتها، وأخرى تحديات اقتصادية بحتة تؤثر على خط سيرها المرسوم، كما أن الخبرات التراكمية لأغلب المستثمرين الصغار من الصعوبة بمكان أن تواجه تحديات السوق والتحديات الأخرى، والظروف الراهنة خير برهان، بل في أول امتحان تهتز وتضعف وتسقط أمام وابل التحديات التي تجابهها، ناهيك عن خفض القدرات الريادية لإدارة هذه المشاريع، وهي ضمن الأسباب التي لم تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار مشروع ما لإحدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
إن من جملة المؤثرات الأخرى، تقليل بعض من أبنائنا لشأن المشاريع التجارية، وأن ثقافة الوعي بقيمة العمل الخاص منخفضة وذلك للتأثيرات المجتمعية من قبل الآباء الذين يوجهون أبناءهم منذ الصغر بضرورة توليهم مناصب حكومية عليا، فهم أبناء البلد ولهم الأولوية في ذلك، متناسين أنهم يدفعون بهم إلى غياهب البقاء بين جدران العمل الحكومي فحسب، كما أنهم لا يدركون قيمة العمل الحر الذي يعود بالنفع اقتصاديًّا وثقافيًّا ورياديًّا، في حين سيبقى الفضاء الاقتصادي متاحًا للوافد الآخر فحسب.
كما أن وجود بعض المآخذ من القائمين على عمل هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يدعو كذلك إلى التوجس والإحساس وانخفاض الرغبة في العمل الحر أو ترك العمل الحكومي، ما أبرز ذلك (ضبابية الأشياء)، ونقصد بضبابية الأشياء تداخل القرارات وكثرة اللجان والعمل من أكثر من محطة واحدة، فهناك (ريادة) و(رفد) أدعوهما إلى مزيد من العمل، وتحديدًا العمل المباشر لصالح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وعدم وقف أي دعم لها، كما أن الذراع الحكومية للقطاع اللوجستي (أسياد) لها دور كذلك في دعم هذه المؤسسات، وهو غير واضح ويكتنفه بعض الغموض، إذ بأحد المستثمرين الصغار والمبتدئين يخبرني بأنه تواصل مع القائمين على (أسياد) بعد إعلانهم أن لديهم تعاونًا مع كثير من الموانئ في الدول، حيث وجه عليهم سؤالًا عن الفرص المتاحة للمؤسسات العمانية الصغيرة والمتوسطة لدى (أسياد)؟ فكان الجواب أن أبرز الفرص تتمثل بوجود تخفيض في تخزين البضاعة إن لم تتجاوز أربعة أيام، ووجود تخفيض كذلك في بعض المعاملات الأخرى المتعلقة بتخليص إجراءات التخزين. والحقيقة أن المؤسسات العمانية الصغيرة والمتوسطة لا تحتاج إلى مثل هذا التخفيض في حالة تخزين البضاعة لأربعة أيام؛ لأن المؤسسة الصغيرة تنتظر استقبال منتجاتها بفارغ الصبر، ويكاد لا يتم تخزينها في مخازن ومستودعات الموانئ، حيث يتم شحنها مباشرة إلى مستودع المؤسسة الصغيرة.
هنا نستفهم حول نوع الفرص المتاحة لهذه المؤسسات، خصوصا فيما يتعلق بالشحن اللوجستي الذي يجب أن يدرس من كافة جوانبه لهذه المؤسسات، ويجب أن تفعل الفرص تفعيلًا حقيقيًّا يعود بالفائدة والنفع لهذه المؤسسات؟ وللعلم، المدفوعات التي تدفعها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة جراء استقبال بضاعة معينة تعد في نظري كبيرة جدا تصل إلى مبالغ طائلة تثقل من كاهل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيما يتعلق بالتخليص الجمركي وتخليص الشحن والشركة المخلصة .. وغيرها من أنواع التخزين التي لم نصل إلى فهم واضح ودقيق عن ماهيتها. فأين دعم المؤسسات الصغيرة في هذا الجانب الأكثر تأثيرًا عليها..؟؟
إن المسببات الأخرى التي تطيح بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة انخفاض نسبة الثقة في قدرات أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل أفراد المجتمع، وهذا يعتبر تحديًا ليس بالهيِّن حينما يتوجه بمنتجاته إلى جهات خاصة في مختلف القطاعات، ونجد أن الأغلبية العظمى تفضل التعامل مع الوافد الآخر الذي يؤثر كذلك سلبًا على أداء هذه المؤسسات، ولا نقول بأنه لا يوجد من يعمل في ذلك، إلا أن من يجابه التحدي كثيرون، وهي من التحديات والأسباب التي أدت إلى ابتعادهم عن السوق المحلي.
من هنا أنادي بضرورة تجديد الثقة في المؤسسات العمانية الصغيرة والمتوسطة، وبعث أصحابها إلى التفاؤل والالتزام بالعمل الحر، كما أن التركيز على المنتج العماني يجب أن ينال قسطًا وفيرًا من الإعلام والدعاية؛ فلنوزع الجهد كذلك لهذه المؤسسات ولنهيئ لها دعمًا لوجستيًّا خاصًّا تتمكن من خلاله البقاء والنمو والتطور وتقديم خدمات اقتصادية للمجتمع.
د.خلفان بن محمد المبسلي
dr.khalfanm@gmail.com
المصدر: اخبار جريدة الوطن