السيد عبد العليم
”تعمل الحكومة جاهدة في عدة اتجاهات للحد من الآثار السلبية الناجمة عن الانخفاض المتواصل في اسعار النفط.
ولم تتخذ بعد أي اجراء يؤثر على الشريحة العريضة من المواطنين.
بل تستثمر اموال صندوق الاحتياطي في مشاريع استثمارية كبيرة ومستمرة داخل وخارج السلطنة بغية تنويع مصادر الدخل بتحقيق اقصى استفادة من تلك الأموال.”
ــــــــــــــــــــــــــ
عند الحديث عن تداعيات تراجع اسعار النفط وتأثير ذلك على السلطنة واحتمالية لجوء الحكومة إلى اتخاذ تدابير للحد من هذه التأثيرات.
تكرر على سمعي سؤال من البعض وهو: اين ذهبت عائدات الحكومة من النفط عندما كان سعر البرميل يتجاوز 140 دولارا؟ وفي الواقع فإن هذا سؤال تجيب عنه الجهات المعنية، حيث يمكن استحداث منصب متحدث رسمي باسم الحكومة يتواصل مع وسائل الاعلام ويقدم عرضا دوريا عن الاوضاع والمنجزات والمخططات والمأمول مما يتعلق بالأداء الحكومي، حتى يكون المواطن البسيط على وعي تام بالاوضاع والمستجدات.
ولا يكون عرضة للتخمينات وفريسة للإشاعات التي تنتشر كثيرا لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي.
مثلما انتشر، على سبيل المثال، ان الحكومة سوف تخفض المرتبات لكل الموظفين ـ تم نفي ذلك ـ وغير ذلك مما ينشر في الفضاء المفتوح.
وان كنا هنا نجتهد في رصد بعض المعطيات والمؤشرات.
المنجز فيما يتعلق بأين ذهبت أموال الدولة عندما تجاوزت اسعار النفط 140 دولارا للبرميل؟ يمكن ملاحظة الاتي:
تعرضت السلطنة ـ كما يعلم الجميع ـ في يونيو 2007 لأنواء مناخية غير عادية (إعصار جونو) الذي ضرب السلطنة ضربة قوية ادت إلى تدمير كثير من البنية الاساسية للدولة.
فكان موقف الحكومة الأبي عدم قبول أي مساعدات خارجية.
وان العمانيين قادرون على مواجهة هذا التحدي الهائل بشكل مذهل امام العالم اجمع.
فقد تم تشكيل لجنتين في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد بتاريخ 11 يونيو 2007 لاحتواء آثار الاعصار، الأولى لفحص عدد البيوت والمساكن المتضررة والثانية برئاسة وزير الاقتصاد لإصلاح البنية الأساسية والجسور والطرق التي تم تدميرها.
وتم تخصيص ميزانيات لذلك ولم تقبل اي مساعدات دولية مما أدى إلى تلاحم الشعب العماني.
مع انه عندما تتعرض بلدان لاضرار مناخية اقل من ذلك، تعلن انها منكوبة وتطالب بمساعدات خارجية.
كما حدث في كثير من البلدان بما فيها الولايات المتحدة الاميركية عندما ضرب اعصار كاترينا مدينة نيو اورليانز قبل عشر سنوات.
فقد قامت الحكومة بما يمكن وصفه اعادة بناء الدولة من جديد، فمن أين تم الانفاق على اعادة تأهيل البنية الاساسية والمرافق تلك؟ ومع ان السلطنة كانت لا تزال في طور اعادة الاعمار الناجم عن تداعيات جونو، إلا أنها تمكنت باتباعها ادارة مالية ومصرفية سليمة من تجاوز تداعيات الازمة المالية العالمية في 2008 دون ان يشعر المواطن بأي تداعيات ودون تأثير يذكر على أوضاعها المالية والاقتصادية.
ثم جاء اعصار فيت في 2010 ليخلف اضرارا، ليس بحجم اضرار جونو لكنها تطلبت معالجات.
واخيرا كانت الاستعدادات الاحترازية الكبيرة التي تم اتخاذها لدى مرور اعصار شيبا.
مما يدل على استيعاب الحكومة للتجربة والاستفادة منها في التعاطي مع مثل هذه الامور الطارئة حرصا على سلامة كل فرد على أرض السلطنة.
وكل تلك الامور تحتاج الى انفاق وميزانيات فمن أين تأتي؟ كما ان هناك السؤال العريض: خلال فترة الوفرة المالية النفطية، كم فرصة عمل تم توفيرها؟ 200 الف وظيفة في القطاع الحكومي في السنوات الخمس الماضية على سبيل المثال.
وكم مدرسة تم بناؤها؟ وكم مركز صحي ومستشفى تم افتتاحها؟ وكيف يتم تلبية التوسعات العمرانية من المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات؟ وكم كيلو متر من الطرق تم تعبيدها؟ وكم مرفق تم تشييده من موانئ ومطارات وطرق وجسور وغيرها؟ فضلا عن رفع مقدار الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية وتوسيع تغطية مظلة الحماية العامة للتأمينات الاجتماعية وزيادة المرتبات.
مما يشكل في المجمل النهضة التي نعيشها ونفرح ونتغنى بها.
التحديات الحالية ومواجهتها تتسم الأوضاع العامة في المنطقة بعدم الاستقرار حيث تمور المنطقة حولنا بالاضطرابات والتطورات المتلاحقة على الصعيد الاقليمي والتي لها تداعيات على الاوضاع الاقتصادية بشكل عام.
ومع ذلك، فاذا نظرنا لاحوال السلطنة والتفتنا حولنا.
نجد ان السلطنة رغم قلة مواردها المالية، لا تزال في طور الدراسة المتأنية والمتعمقة لتحديات تراجع اسعار النفط وتأثيرها على الميزانية العامة للدولة وأنسب السبل لمواجهة ذلك.
في الوقت الذي نجد فيه بلدانا اخرى تزيد ايراداتها المالية اضعاف ايرادات السلطنة ولديها احتياطات مالية ضخمة قد بادرت في اتخاذ اجراءات سريعة مثل رفع اسعار الوقود او خصخصة مطارات عامة للإسهام في سد العجز المالي أو الاعتذار عن استضافة بطولة العاب لأسباب مالية وغير ذلك.
حيث تعمل الحكومة جاهدة في عدة اتجاهات للحد من الاثار السلبية الناجمة عن الانخفاض المتواصل في اسعار النفط.
ولم تتخذ بعد أي اجراء يؤثر على الشريحة العريضة من المواطنين.
بل تستثمر اموال صندوق الاحتياطي في مشاريع استثمارية كبيرة ومستمرة داخل وخارج السلطنة بغية تنويع مصادر الدخل بتحقيق اقصى استفادة من تلك الأموال.
كما انها لم توقف اي مشروعات شرعت في القيام بها.
وتزيد الاهتمام بتطوير الموانئ الاقتصادية والمناطق الصناعية وتنفيذ عدد من المشروعات الكبيرة في تلك المناطق وتولي اهتماما كبيرا بالقطاع اللوجستي.
وبما أن الحكومة لا تزال في طور دراسة تداعيات تراجع اسعار النفط، فمما لا شك فيه انها ستنظر بعين الاعتبار إلى الفئات ذات الدخل المحدود وتعمل على عدم المساس بها.
وعليها قبل اتخاذ اي اجراء ان تشرحه وتوضحه وتجري نقاشا مجتمعيا حوله حتى لا يكون له اثار سلبية تضر اكثر مما تنفع.
كما يتوقع ان تزيد الحكومة من ترشيد الانفاق الحكومي من مخصصات وبدلات لكبار المسئولين وغير ذلك.
وعقد المناشط والفعاليات من قبيل التوقيع على اتفاقات واجتماعات ولقاءات وغيرها داخل قاعات الاجتماعات في الوزارات والمؤسسات وليس في الفنادق الفخمة.
والعمل الجاد على وقف أي هدر للمال العام في عدد من المجالات، قبل ان تتجه الى الأفراد.
وبالفعل فقد شرعت الحكومة في اتخاذ تدابير ترشيد الإنفاق الحكومي.
وقد ظهر ذلك في منشورات وزارة المالية.
وبالاتجاه إلى تقليص مصروفات الاندية والاتحادات الرياضية.
كما ان هناك مناقشات لمراجعة وتعديل قانون الضريبة على الدخل وقانون استثمار رأس المال الاجنبي.
فضلا عن قرار وزارة المالية الذي اصدرته مؤخرا الموجه إلى الهيئات والمؤسسات والشركات المملوكة للحكومة بالكامل او التي تزيد حصتها فيها عن 40% بعدم صرف أية مكافأت للموظفين لحين اشعار اخر بغية تخفيف الاعباء على خزينة الدولة.
إضافة إلى قرار الوزارة بإلغاء جميع سيارات الجولات التفقدية والزيارات الميدانية المخصصة للوزراء والوكلاء ومن في حكمهم.
كما تعمل الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى على إجراء مراجعة شاملة لبنود الانفاق واولوياتها في هذه المرحلة.
المأمول ومع ذلك، ثمة انشطة اقتصادية يمكن زيادة التركيز عليها.
من ذلك النشاط الزراعي والتوسع في البيوت المحمية كما يمكن التوسع في زراعة محاصيل رئيسية مثل القمح الذي يزرع خلال موسم الشتاء والذي لا يحتاج بدوره لمياه كثيرة.
كما ان هناك كلاما كثيرا عن كميات كبيرة من الأسماك وعن تصديرها وعن الاستزراع والمزارع السمكية دون ان ينعكس ذلك على كمياتها وبالتالي اسعارها في الاسوق لا سيما في مسقط.
كما ان هناك الازدحام المروري الخانق في عدد من الشوارع الرئيسية في العاصمة والذي صار يستمر لاوقات طويلة وما يترتب عليه من تبديد للجهد والوقت والمال.
كما لا يزال انتظار المرضى للمراجعة في المستشفيات الكبيرة يستغرق اوقاتا طويلة تصل الى شهور.
وان كان هناك من المبشرات في هذا الأمر تخفيض اسعار الدواء التي تم الاعلان عنها مؤخرا.
كما يجب تعزيز النشاط الصناعي بشكل يجعلنا نرى كثيرا من المنتجات الجيدة والمفيدة التي تحمل العلامة التجارية صنع في عمان.
ويمكن الانطلاق في ذلك عبر صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية.
كما ان النشاط السياحي يحتاج الى مزيد من الاهتمام، وذلك لوجود كثير جدا من المواقع السياحية الجذابة في السلطنة والتي تحتاج إلى توفير خدمات بسيطة من قبيل توفير دورات مياه ومصلى بالقرب منها.
ثم ان هناك تساؤلات بشأن عدد من المشروعات السياحية الاستثمارية الكبيرة التي تم توقيع اتفاقياتها منذ وقت طويل، دون معرفة مآلها وما تم بشأنها مثل مشروع المدينة الزرقاء ومنطقة السوادي السياحية ومشروع الحديقة المائية وتطوير حديقة النسيم.
كما ان هناك المشاريع الاستثمارية الرياضية المتعلقة بعدد من الاندية مثل نادي عمان وفنجاء، فماذا عنها؟ وهناك المشروع الضخم الذي ينتظره منذ زمن العمانيون والوافدون وهو الطريق البري الذي كلف السلطنة الكثير والذي يربط بين السلطنة والمملكة العربية السعودية وقد تم الانتهاء منه منذ فترة من الجانب العماني.
كما تم الاعلان منذ فترة بأنه سوف يتم افتتاحه من الجانب السعودي بعد موسم الحج الماضي.
فلماذا لم يتم افتتاحه حتى الآن؟ كما ان هناك عددا من الطرق بحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل.
كما نسمع عن وجود مقارات لوزارات تتسم بالكثير من مظاهر البذخ والترف الذي لا تتوافق مع مقتضيات المرحلة.
والمطلوب اعادة النظر في كل ذلك حتى تلقى اية دعوة او اجراء بشأن ترشيد الاستهلاك والانفاق صداها لدى المواطن البسيط.
أي ان تكون الجهات الحكومية قدوة في ذلك.
كما ان هناك الكثير من عقود التدريب والتشغيل بملايين الريالات التي يتم الاعلان عنها دون ان نسمع أو نعلم شيء عن نتائجها من حيث عدد من تم تشغيلهم بالفعل من هؤلاء وماذا عن جودة التدريب والاستفادة الحقيقية وغير ذلك.
بمعنى آخر ثمة حاجة للمتابعة والمراقبة.
فليس العبرة بطرح مشروعات واتفاقات وغير ذلك.
بل العبرة بالتنفيذ والمتابعة والمراقبة المتواصلة واطلاع المواطن بمراحل ونتائج كل ذلك أولا بأول.
وبذلك تواصل حكومة السلطنة مواجهة التحديات وتتقدم إلى الأمام بثقة واقتدار على النحو المعهود.
لقد تجاوزت السلطنة أزمات متشابهة متعلقة بتدني الايرادات نتيجة تراجع اسعار النفط، وذلك عندما هبطت اسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل، وسوف تتجاوز السلطنة الاوضاع الحالية بعون الله ثم بقدرة وحكمة قيادتها الرشيدة.