تواجه الطواقم الطبية، وعلى رأسها الأطباء، خطر التجريف المجتمعي المستهدف لفئات معينة، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) بين الأوساط الطبية العاملة في المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الحجر الصحي، فلا تخلو القوائم اليومية للإصابات والوفيات في أي دولة من أطباء وممرضين وفنيين وعاملين في القطاع الصحي، وبينما تنشغل المجتمعات بإجراءاتها الوقائية للحد من انتشار الفيروس، يقود الأطباء، في الظل، معركة مع الوباء.
إذا وضعنا تصنيفا للفئات الأكثر عرضة لتفشي الفيروس بينها سنجد الأطباء في طليعة هذا التصنيف، فالخطر يداهمهم في كل بقعة من بقاع الأرض يعملون فيها، وتدفعهم الرسالة السامية لمهنتهم لأن يكونوا على خط المواجهة الأول مع الجائحة، بدءا من التعامل المباشر مع المرضى، سواء الحاملون للمرض أو غير الحاملين، أو القادمون بأعراض كورونا أو غيرها، وما يتبع ذلك من عمليات فحص وتدقيق وتحليل ومتابعة، أضف إلى ذلك التعامل المباشر مع الأدوات الطبية والنفايات، والتعرض بصورة أو بأخرى لعينات وتحاليل الدم، فضلا عن التعامل مع أصحاء وقد يكونون أحد أسباب عدواهم.
الطواقم الطبية تتعامل بأقصى درجات الاحتراز عند مواجهة الحالات المرضية أو المشتبه فيهم، ويتعاملون بمبدأ “الإصابة في الجميع” أي أنهم يفترضون أن كل الحالات إيجابية قبل أخذ العينات أو المسحات أو ظهور نتيجة الفحوصات، ويرفعون أهبة الاستعدادات الطبية الوقائية من تعقيم الغرف والأسرَّة والكراسي، وما تحويه المنشآت من أدوات طبية وغير طبية؛ لكن كثافة الحالات المصابة وطريقة انتشار الفيروس أصبحت أقوى من إجراءاتهم.
بالطبع عن الحديث عن السبل الوقائية فإنها تختلف من دولة لأخرى، ومن مكان لآخر، حسب القدرات والمخصصات الممنوحة لقطاع الصحة، وحسب الرغبة في دعم وحماية الجيوش البيضاء للتصدي للأوبئة والأمراض التي تفتك بالمجتمعات؛ والفيروس القاتل يعرف أنهم عدوه الأول، ولن يمحوه سواهم، فيضعهم في مرمى نيرانه، وليس مستغربا أن نجدهم يتساقطون يوميا ضمن الوفيات، ويستبعدون من مواقعهم ضمن عزل الإصابات.
وفي الوقت الذي يجلس العالم في المنازل وتتجمع الأسر في بيوتها، فإن الأطباء محرومة أسرهم من هذا الدفء كونهم يخوضون حربا إنسانية وبيولوجية وصحية نيابة عن البشر، وإنفاذا لقسم أبو قراط الذي أقسموا به، وتعهدوا أمام الله أنهم سيكونون ملائكة للرحمة.
الطب مهنة إنسانية هدفها حماية المجتمع ورعايته، والصحة غاية بشرية لبقاء واستمرار الحياة، وجائحة كورونا استدعت البشر لحرب البقاء، فارتدى الأطباء البزَّات البيضاء، ونَحُّوا طوائف المجتمع ليخوضوا الحرب عنهم بالوكالة، فتسلحوا بالعلم، وتدرعوا بالرحمة، وحملوا أرواحهم فوق أكتافهم، وقدموا الشجاعة على التقهقر، وما زالوا يقدمون أرواحهم قربانا لحماية بني البشر؛ لكن جُل ما أخشاه أن تزيد كورونا من ضحاياها في الطواقم الطبية فتتسبب في تجريف المجتمعات من نوابغها في مجال الصحة والرعاية، ووقتها لن تنفع الأمم ساساتها ولا اقتصاديوها ولا عسكرها ولا رياضيوها ولا فنانوها، ولن تنفع البشرية السلطة أو المال أو السلاح أو الكؤوس أو الأفلام، فلنتكاتف جميعا وندعم الإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع انتشار الفيروس، ونعين الحكومات في خططها لمحاصرته، وندعم الأطباء في مواجهته.
المصدر: اخبار جريدة الوطن