![](http://blog.ramsat.net/wp-content/plugins/wp-o-matic/cache/1c75424f41_mohamedbinsaidalftisy.jpg)
محمد بن سعيد الفطيسي
”.. بداية الأمر وقبل الدخول إلى تفاصيل فلسفة الظواهر السياسية وعلاقتها ببعض القوانين الفيزيائية، كان من الضروري السعي لتقريب الفهم حول جدلية ذلك الرابط الفلسفي ما بين العلمين – ونقصد ـ الفيزياء والسياسة، مع التنبيه أن المصطلحات السياسية بشكل عام هي مصطلحات ومفاهيم نسبية، أي أنها تحتمل أكثر من معنى، وتختلف مقاصدها من مكان الى آخر،”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يعتبر علم الفيزياء من العلوم التجريبية التي تختص بدراسة تغير الظواهر الطبيعية وتحليلها تحليلا علميًّا، وذلك من خلال دراسة سلوك وتفاعلات المادة في إطارها المكاني والزماني، وقد ساهم هذا العلم كثيرا في تطور الحياة الإنسانية على مختلف مراحلها الحضارية، وتنقسم أبحاث ذلك العلم إلى: فيزياء المواد المكثفة، والفيزياء الذرية والجزيئية والبصرية، وفيزياء الطاقة العالية، والفيزياء الفلكية وعلم الفلك، أما علم العلوم السياسية فهو احد العلوم الاجتماعية الإنسانية ذات الاتجاه الاستقرائي التحليلي، والذي يقوم على البحث النظري في حيزه الأكبر، وذلك من خلال بحث ودراسة النظريات السياسية وفلسفاتها، وتحليل النظم السياسية والأممية وسلوكياتها، وما يدور في فلك ذلك العلم من فروع وأقسام أخرى، كالقوانين والسياسات الدولية على سبيل المثال لا الحصر.
وإشارة الاستفهام المطروحة هنا، سنحاول من خلالها إماطة اللثام عن أن فكرة هذا المقال، تدور حول الرابط الفلسفي لتلك العلاقة ما بين بعض القوانين الفيزيائية، وبعض النظريات والظواهر السياسية القديمة والمعاصرة، ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، نظرية نيوتن “القانون الثالث” في علم الميكانيكا، وقانون نيوتن الأول، وقانون كولوم، والقانون الأول في الكهروستاتيكية، وفرضية ديبرولي، ومبدأ باسكال للسوائل، وبالطبع ـ فإننا هنا ـ وقبل الدخول الى قوننة تلك الظواهر، نؤكد على نقطة أساسية، وهي: أننا لا نستطيع ربط جل تلك القوانين بشكل دقيق مع ما يقابلها في الصورة الظاهرة للفعل المشابه من الظواهر السياسية الراهنة، أي انه ليس بالضرورة أن يكون لكل ظاهرة سياسية قانون فيزيائي، ولكننا نستطيع تقريب اغلبها لتشكل صورة ذهنية تقريبية مشابهة لنفس نطاق الفعل الفيزيائي للظاهرة الطبيعية فيما يقابلها من النظريات والظواهر السياسية الحديثة.
وبداية الأمر وقبل الدخول إلى تفاصيل فلسفة الظواهر السياسية وعلاقتها ببعض القوانين الفيزيائية، كان من الضروري السعي لتقريب الفهم حول جدلية ذلك الرابط الفلسفي ما بين العلمين – ونقصد ـ الفيزياء والسياسة، مع التنبيه أن المصطلحات السياسية بشكل عام هي مصطلحات ومفاهيم نسبية، أي أنها تحتمل أكثر من معنى، وتختلف مقاصدها من مكان إلى آخر، بحيث تشكلها البيئات والثقافات والطبائع الإنسانية، (فالظاهرة الاجتماعية أو السلوك الاجتماعي أو النظام الاجتماعي، وكل ما يتسم بصفة اجتماعية محددة، وقائع لا يمكن تفسيرها بالرجوع إلى عامل محدد رئيسي أو وحيد لأنها تنجم بصورة عامة عن تفاعل مجموعة تغيرات وعلاقات تؤدي إلى تكوين هذه الوقائع الاجتماعية، لذلك لا يمكن ضمن مستوى تطور العلم الحالي، تأكيد صحة علاقة سببية بين متغيرين في العلوم الاجتماعية).
وهي بالتالي على عكس المصطلحات والمفاهيم الفيزيائية التي في اغلب الأحيان، تكون خاضعة للإحصائيات والأرقام والمشاهدات المختبرية التجريبية، ما عدا تلك التي تدخل ضمن نطاق الفيزياء النظرية في بعض الأحيان فقط، وبالتالي فإنها لا تحتمل أكثر من معنى، وهنا تكمن إشكالية السياسة وصعوباتها وتداخلاتها وتشعباتها مقارنة بالفيزياء، وكما قال اينشتاين لما سئل لماذا لا تكون السياسة مثل الفيزياء في استنباط القوانين، رد قائلا: لأن السياسة أصعب من الفيزياء.
المهم في الأمر، أننا نستطيع فلسفة وتقنين “بعض” الظواهر السياسية الحديثة، وردود الأفعال الإنسانية الناتجة عنها، من خلال إخضاعها لمبادئ وقوانين الفيزياء والرياضيات، وبمعنى آخر بأننا ربما نتمكن من استشراف آفاق المستقبل، وتشريح الظاهرة السياسية من خلال تحركها وتفاعلها الشبيه بالصورة الفيزيائية من الناحية الفلسفية، مع اختلاف الأسباب والأهداف بالطبع، لتنتج في نهاية المطاف صورة متشابهة للحدث او الظاهرة الفيزياسياسية، مؤكدين في نهاية المطاف على ان هذا التوجه هو مجرد استثناء لبعض الظواهر، على انه لا يمكن اعتماد تلك القوانين كأساس علمي ومنهجي لدراسة الظواهر السياسية او الاجتماعية، بل إن هذه الأخيرة تخضع لقوانين ومنهجية منفصلة ومستقلة لدراستها.
ومن أشهر الأقوال التي يمكن أن نربط من خلالها فلسفة هذين العلمين، ما أشار إليه عالم الفيزياء النووية الألماني كارل فون فايتسيكر، بقوله (لا يستطيع المرء في عصرنا الحالي أن يشتغل في مجال الفيزياء التي ينتج منها الطاقة الذرية والقنابل النووية ثم يقول لا علاقة لي بذلك ـ أي بالسياسة)، حيث كان كارل فون فايتسيكر على قناعة تامة بأن للعلم مسؤولية سياسية ينبغي عدم تجاهلها او إنكارها، وهو احد الفلاسفة المتعمقين في شؤون الكون والحياة، كما كان أحد الموقعين على “إعلان جوتينجن” الشهير وبصفته عالم ذرة كان فون فايتسيكر على صلة وثيقة ببرنامج ألمانيا النووي قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، عُرض عليه مرتين تقلد أعلى منصب الشرفية السياسية في جمهورية ألمانيا، وهو منصب رئيس الدولة، لكنه اعتذر عن هذا المنصب الذي تولاه فيما بعد أخوه الأصغر منه، ريتشارد فون فايتسيكر.
وانطلاقا من فلسفة وجدلية تلك العلاقة التي أشار إليها عالم الفيزياء الألماني كان فون فايتسيكر بين الفيزياء والسياسة، فإننا نقول: ان هناك عددا من القوانين الفيزيائية المشهورة كما سبق واشرنا، قد أثبتت قدرتها على تشكيل قاعدة فلسفية متوازنة وصحيحة بشكل كبير ودقيق لبعض الظواهر والتحولات والمتغيرات السياسية الحديثة، كقانون نيوتن الثالث في علم الميكانيكا، وهو قانون فيزيائي شهير يقول بان “لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه”، حيث إننا نجد انعكاس هذا القانون على بعض الظواهر السياسية الدولية الحديثة، وعلى رأسها ردة الفعل الناتجة عن المقدار الكبير في الاهتمام العالمي بظاهرة الإرهاب الدولي على سبيل المثال لا الحصر، أو ” قانون مكافحة الإرهاب”، حيث نجد في مقابل محاولات الاحتواء والكبح والضربات الاستباقية المتزايدة لهذه الظاهرة المصطنعة في كثير من الأحيان، فعل مساو لمقدار ذلك في انتشار تلك الظاهرة المخيفة في مختلف أرجاء العالم.
ونستدل على ذلك كذلك من خلال التزايد الكمي للعمليات التي يطلق عليها بالعمليات الإرهابية أو الانتحارية في مختلف أنحاء العالم – بحسب بعض وجهات النظر ـ كذلك من الناحية النوعية، حيث إن اللافت للنظر ان هذه الظاهرة قد أخذت منحنى ابعد مما كان متوقع له، حيث اتسعت الرقعة الجغرافية التي تمارس فيها هذه العمليات، وزادت حدتها وضراوتها وأدواتها ووسائلها واستراتيجياتها المضادة، كذلك نستطيع تطبيق ذلك القانون الفيزيائي من الناحية الفلسفية النظرية على شراسة الأفعال الإجرامية والإرهابية للمحتل الصهيواميركي في ارض الطهر والرسالات دولة فلسطين المحتلة، أو غيرها من الدول المحتلة والمستعمرة في جميع أنحاء العالم، وما يقابل ذلك الاحتلال والاستعمار من “مقاومة ” ـ أي ردة فعل مساوية لمقدار تلك الأفعال.
كما أن فعل المقاومة للخطر كما هو معروف (يقابله فعل الإذعان للخطر في مخططات الأمم الواقعة تحت ضغط الأخطار الخارجية المدمرة، وفعل المقاومة هو فعل بناء وفعل الإذعان هو فعل هدم، حيث يستجيب الإنسان لكل متطلبات الخطر في هدم بناء أمته، وذلك من أجل أن يتناسل ويكون أسرة مع كل متطلباتها من عمل دؤوب ليفي بكل احتياجات الأسرة، من طعام ومأوى وتعليم وصحة، كما أن فعل البناء في الجيل الباني يقابله فعل الهدم في الجيل المستهلك، وهو مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه)، بينما نجد أن حجم ردة الفعل الإنسانية في كثير من الأحيان، وخصوصا تلك الناتجة عن الظلم والاضطهاد والقمع قد يتناسب مع الضغط الواقع عليها بحسب قانون بويل الفيزيائي، كما أن نفس تلك المؤثرات لتعتبر بمثابة القوة التي تتولد لدى البعض، كردة فعل على تلك العوامل، وهو ما يمكن أن يكسب الجسم تفاعلا طرديا يتناسب مع القوة المؤثرة، بحسب قانون نيوتن الثاني، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار اجتماعي وثورة سياسية عارمة قد تؤدي إلى تغيير الكثير من الأوضاع في المجتمع.
ختاما فإن قدرة العالم والمفكر والباحث على توسيع مداركه وآفاق تطلعاته العلمية والخيالية، كل في مجال تخصصه، ومحاولة البحث عن تقارب فلسفي دائم ما بين العلوم بعضها البعض، بهدف إيجاد قواعد منهجية تقريبية لبعض الظواهر الإنسانية والعلمية، ومحاولة تحليلها بطريقة علمية منهجية صحيحة، لاستنباط الحلول لتلك المشاكل والعقد المتراكمة التي يمر بها إنسان القرن الحادي والعشرين، سينتج فروع علوم جديدة قد تساعد كثيرا على تغيير شكل حياته وبيئته إلى الأفضل، وهذا على وجه التحديد ما حاولنا الوصول إليه من خلال فلسفة بعض الظواهر السياسية الراهنة، كظاهرة الإرهاب العالمي وفعل مقاومة المحتل على سبيل المثال لا الحصر، ومحاولة إخضاع امتداداتها لبعض القوانين الفيزيائية، وذلك بهدف الوصول إلى نتيجة نهائية ثابتة وشبيهة للظاهرة الفيزيائية، والتي سبق واشرنا في بداية الأمر، الى أنها لا تحتمل أكثر من معنى _ من وجهة نظرنا الشخصية.