الإسلام عقيدة وعبادة، وعلم وعمل، ونظام ومنهاج حياة، جاء الإسلام ليعيد للإنسان إنسانيته المسلوبة المهدورة المنقوصة، فبصره بحقيقته وكنهه، وبصره بالمبدأ والمصير، وبالغاية التي من أجلها خلق، لعيش الإنسان حراً عزيزاً كريماً سيداً فاعلاً مشاركاً عاملاً بجد واجتهاد في كل شؤونه الخاصة والعامة، متزوداً بالزاد التقوى.
الإسلام يساوي بين الناس جميعاً، فليس لأحد أن يتسلط على أحد، أو يتعالى عليه، أو يتميز عنه بشيء، حتى ولي أمر المسلمين، فهو واحد منهم إلا أنه أكثرهم مسؤولية، وأشدهم تكليفاً، وأثقلهم حملاً.
مات النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فالإسلام واحد، وأمة الإسلام أمة واحدة، ولكن هل المسلمون في الواقع أمة واحدة، أم هم شيع وأحزاب، وفرق وطوائف، ومذاهب ونحل؟.
بعد العصر الذهبي للإسلام؛ عصر بزوغ فجره، وسطوع شمسه، عصر النبوة، والخلافة الراشدة، راجت بين المسلمين في عمومهم مفاهيم مغلوطة، وعبارات خاطئة؛ فرغت الإسلام من جوهره، ومضمونه، ومحتواه، وجردته من رسالته، وغايته، وجعلته شكلاً، واسماً، ورسماً؛ إذ فصلوا الإسلام على مقاسهم بسبب أهواء نفسية، وأطماع دنيوية، وبمرور الزمان، وتعاقب الأجيال، تأصلت هذه الأهواء في نفوسهم، وأصبحت مناهج لهم، ومبادئ ثابتة لديهم،لا يحيدون عنها قيد شعرة؛ مهما بأن لهم الدليل، وظهرت لهم الحقيقة، فإنهم يتعامون عن الحق؛ إذ يصمون آذانهم عن سماعه،، ويعصبون أعينهم عن رؤيته، ويغلفون قلوبهم عن اتباعه؛ فكان الخلط في المفاهيم، والضبابية في الرؤية، والغبش في التصور، والازدواجية في المعايير، والثنائية في الموازين، وعدم الحياد في الحكم، ولرواج هذه المفاهيم المغلوطة وشيوعها أسباب عديدة، أهمها في تقديري الشخصي أربعة، والسبب الأول، هو الأساس الذي فرخ بقية الأسباب، فهي من إفرازاته، ونتائجه، وقد ترتبت عليه، وتولدت منه بطريقة أو بأخرى مباشرة،
وهذه الأسباب هي:
الأول: الطمع في السلطة والتكالب عليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم”. وفي هذا السياق يقول الشيخ أبو مسلم البهلاني رحمه الله تعالى في قصيدته” أفيقوا بني القرآن”.
هراشًا على الدنيا وطيشًا على الهوى*** وذلك سم في الحقيقة نافع
الثاني: الفرقة والانقسام، فقد أصبح المسلمون أحزابًا، وشيعًا،ن وفرقًا، وطوائف، وطرقًا فالمسلمون الآن كما وصفهم الشيخ العلامة أبو مسلم البهلاني رحمه الله تعالى في قصيدته ” النهروانية”.
تحزبت الأحزاب بعد محمد *** فكل إلى نهج رآه يصير
الثالث: الانغماس في المعاصي لقد انغمس المسلمون في عمومهم في أوحال المعاصي، وأدمنوا عليها، ولم يقدروا على تركها والتخلص منها؛ فتمنوا على الله الأماني الفارغة، وأوهموا أنفسهم بأنه لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان القلبي والإقرار به، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر، وأن الموحد لا يخلد في النار خلوداً أبدياً مهما ارتكب من كبائر، وقالوا: نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الطن؛ لأحسنوا العمل.
الرابع: التأثر بأفكار غير المسلمين تأثر المسلمون في مجموعهم بأفكار غير المسلمين كاليهود والنصارى والمجوس، والتراث الإسلامي خير شاهد على ذلك، إذ فيه من الروايات، والآثار، والأقوال ما يصطدم مع الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، والفطرة السوية، والعقل السليم.
للحديث بقية.
يوسف السرحني