غدا ستعقد “اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا “كوفيد ١٩” أول اجتماع لها، هل ستقرر ـ يا ترى ـ إغلاق الأسواق والأنشطة التجارية والمطارات والأماكن العامة، على غرار ما فعلت الكويت ودول الخليج وعشرات البلدان الأخرى حول العالم؟ هل ستعلق الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية والخاصة، والرحلات الجوية وتمنع السفر والتنقل بين العالم، وتوقف مناسبات الزواج والعزاء؟ هل سيتم قفل المساجد والجوامع أمام المصلين وعباد الله وستتوقف صلاة الجماعة والجمعة وقراءة القرآن وغيرها من الأنشطة الروحية والمجتمعية والعبادات؟ ما الخيارات التي تمتلكها اللجنة العليا لمحاصرة الجائحة، وتحجيم انتشار الوباء، ووقف تمدد الفيروس، وإغلاق المنافذ وكل شكل من أشكال الحياة التي تمد كورونا بالطاقة والنشاط وتحفز نموه وبقائه؟ وإذا أقرت اللجنة سياسات الإغلاق والتعليق والحظر وتقييد حريات الحركة والأنشطة الحياتية والتجارية المتعددة، فإلى متى؟ وهل ستتحمل الشركات والمشاريع والأعمال الخاصة والأسواق خسائر الإجراءات والوقايات والاحترازات المتخذة؟ ألا يعد ذلك تعطيلا للحياة؟ ووقفا للنمو؟ وإرباكا للبرامج والخطط التي أقرها واعتاد عليها المواطن وألفها المجتمع؟ ما الذي يحدث بالله عليكم؟ هل سنفتقد الحرية بمعانيها وقيمها التي تشكل المكسب الأعظم للإنسان في العصر الحيث، وهذا الفضاء الواسع الذي ننطلق ونتحرك فيه، والرخاء والجمال والازدهار الذي نعيشه بسرور وبهجة وفرح؟ لا يعقل أن تلجأ اللجنة إلى هذا الخيار القاسي وهي تدرك آثاره ونتائجه السلبية على المستقبل، ولن تتخذ أية قرارات مقيدة للحرية، وخطرة على الاقتصاد وعلى الحالة الصحية والنفسية للإنسان؟ أستبعد ذلك، بل إنني على يقين بأن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ولا شك بأن لدى اللجنة دراسات ومعلومات وخيارات واسعة للتعامل مع هذه الجائحة بعيدا عن هكذا قرارات وسياسات كارثية؟ فكورونا هو الأخ الشقيق لسارس وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها التي تم تضخيمها وترويعنا بها فمرت علينا مرور الكرام دون أن نشعر حتى بها. ولكن أي خيارات تمتلكها اللجنة؟ والقوى العظمى في العالم كأميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا وإسبانيا أنهكها هذا الفيروس، ودمر اقتصاداتها، وقلص جميع خياراتها، وأورد مجتمعاتها مورد التهلكة، وقادها إلى خيار الإغلاق والتقييد والعزل والتعليق؟ إذن نحن أمام واقع جديد لا مجال لنا إلا التسليم به والتقيد بقرارات اللجنة العليا، حيث “البقاء في البيت واجب وطني لوقف انتشار فيروس كورونا …”، وما هي إلا أيام وأسابيع معدودة لن تتعدى الشهر ـ إن شاء الله تعالى ـ وسوف نستقبل الشهر الفضيل، شهر العبادة والرحمة “رمضان” وقد انتصر العالم على هذا الكورونا، الذي عكر صفو حياتنا، وأقلق نومنا، وباعد بيننا وبين أحبائنا، وأضر بمصالحنا، وفتك بالكثير منا، وأوجع أجسادا وأعضاء كانت سليمة قبل أن يدمرها ويتلفها. تجتمع اللجنة اليوم بحضور رئيس أركان قوات السلطان المسلحة، هل يعني ذلك إغلاق بعض المحافظات والمناطق وفصلها عن بعضها بعضا؟ أيعقل ذلك؟ كيف سننتقل من مسقط إلى الولاية أو القرية إذن أو العكس؟ ألن يقود هذا الإجراء إلى مزيد من التعطيل والإنهاك والخسائر؟ هل سيمنعنا كورونا من زيارة آبائنا وأمهاتنا وأبنائنا ومقار سكنانا؟ هل ستتقطع بنا السبل؟ هل جاء كورونا ليشتت شملنا وتجمعنا؟ تمضي الأيام رتيبة مقلقة مملة مزعجة، “جاء كورونا ليبقى” “على البشرية أن تتأقلم وتتعايش وتتناغم مع كورونا” “كورونا بدأ في الضعف والتراجع” “لن يبقى كورونا كثيرا إنه يودع عالمنا” “كورونا وباء شرس وخطير وقاتل” “كورونا أشبه بالإنفلونزا العادية لا يسبب الخوف ويمكن التعايش معه” “كورونا مرض عادي ونسبة ضحاياه لا تتجاوز الـ١%” “حرارة الصيف سوف تفتك بكورونا” “كورونا لا يقتل إلا كبار السن، والذين يعانون من السمنة، وأصحاب الأمراض المزمنة…” وكم يا ترى نسبة هؤلاء في كل مجتمع؟ وهل يعني ذلك تيسير الأمر وتبريره بتعريضهم للخطر؟ كل يوم يتم الإعلان عن أمصال وعقارات وأدوية جديدة تكشف عنها دول ومختبرات وشركات وأفراد عاديون للتطعيم والوقاية من كورونا، وإجراء التجارب على البشر، “رئيس مدغشقر: منظمة الصحة عرضت علينا 20 مليون دولار لإخفاء مصل “فيروس كورونا” مستخلص من مواد طبيعية…” “كلام رئيس مدغشقر غير صحيح، منظمة الصحة العالمية لا تقوم بالتآمر مع بيل جيتس، الرئيس الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط هو الدكتور العماني أحمد المنظري، ويأسف لترويج مثل هذه الإشاعات”. صباحا ومساء تلاحقنا أخبار الإصابات والوفيات في الداخل والخارج، أصابت السويد عندما تعايشت مع الوباء دون أن تلجأ إلى إغلاق الأسواق والأنشطة التجارية ومؤسساتها المختلفة، فأنقذت اقتصادها. بالعكس السويد تشهد ارتفاعا في الإصابات والوفيات مقارنة بالدول الاسكندنافية، لقد أخطأت السويد وها هي تجني ثمار سياساتها الخاطئة. رجال الأعمال يروجون للحالة السويدية ويفضلون تطبيقها في السلطنة تحقيقا لمصالحهم وأعمالهم التجارية ومشاريعهم الرابحة، والحكومة استوعبت الدرس الإيطالي، فكان همها الأول حماية المجتمع والمؤسسات الصحية. كورونا مؤامرة وهو ما أكده العالم الياباني الحاصل على جائزة نوبل، كورونا فيروس نشأ نشأة طبيعية والعالم الياباني نفى ما نسب إليه، كورونا عقوبة إلهية للبشر على فسادهم وانحلالهم وظلمهم. مضت الأيام والأسابيع والأشهر ونحن نعيش على أمل أن يأتي الغد بقائمة مصابين مبشرة، وبعد الغد يتراجع المنحنى ويواصل انخفاضه فنصل إلى الإصابة “صفر” وتعود الحياة إلى طبيعتها وننسى كورونا إلى الأبد. يرتفع مؤشر الأمل والتفاؤل لدينا كثيرا، وسرعان ما يطيح بنا في أعماق حادة من التشاؤم والإحباط، فنحن بين آراء ودراسات وأخبار وتصريحات وإعلانات واكتشافات وملاحظات ونصائح وتوجيهات وأرقام وسرد لتجارب شخصية وأدوية شعبية وطبية وتقليدية… متناقضة تأخذنا إلى أقصى اليمين أو تقذفنا إلى أبعد نقطة في اليسار. كنا نأمل أن يدخل الشهر الفضيل وقد فتحت المساجد والجوامع واجتمع شملنا بجيراننا وأقربائنا وأهلنا وأصدقائنا على مائدة الإفطار وفي الجماعة، لكن الأمل كان يخفت ويذبل، وهل هلال رمضان والأوضاع تزداد سوء والمنحنى يرتفع، والسياسات والقرارات تتجه نحو الشدة والصلابة والقوة، والمزيد من العزلة والحجر وسلب الحرية والغلق…”اللجنة العليا تعقد اجتماعا مهما غدا” “اللجنة العليا تنظم مؤتمرها الصحفي الافتراضي الثامن” وفي القائمة المزيد من المعلومات والمستجدات والأخبار المثيرة “اللجنة العليا تصدر قرارات جديدة” “اللجنة العليا تقرر إغلاق مدينة مطرح” “اللجنة العليا تعفي الموظفين من الحضور إلى مقرات العمل” “اللجنة العليا تقر تفعيل نقاط السيطرة والتحكم لحركة التنقل بين محافظات السلطنة” “اللجنة العليا تقرر تمديد إغلاق محافظة مسقط حتى الساعة العاشرة من مساء الجمعة الموافق ٢٩ مايو ٢٠٢٠”. وقلنا شدة وتنفرج ويأتينا العيد ببهجته وفرحته وسوف نعوض حرمان العزلة وفراق الأهل والأحبة والإخوة في رمضان بلقاءات العيد وتجمعاته وأهازيجه وبرامجه وزياراته وصلاته الجامعة وخطبته العصماء. ولكن كورونا جاء لينغص علينا حياتنا ليبقينا أسرى جدران منازلنا، ليحرمنا من بهجة مناسبات الأعياد ورمضان، ليحرمنا من معانقة أبنائنا وأمهاتنا وآبائنا وأصدقائنا بل وحتى لمسهم والقرب منهم، لكي يشل نشاطنا ومبادراتنا الجميلة، ليشوه قيمنا ومبادئنا السامية التي نشأنا وتربينا عليها وكانت النبراس والضوء والمنهج القويم الذي يحقق لنا إنسانيتنا. جاء العيد وكورونا ما زال باسطا جناحيه على المعمورة يصيب ويقتل، يأمر وينهى، يفصل ويشرع.. والعالم رهينة لشراسته، جاء العيد مصحوبا بعقوبات وغرامات باهظة على أي تجمع يحدث حتى وإن كان عائليا، فـ”تجمع الأبناء في منزل والديهم مخالف لقرارات اللجنة العليا والشرطة ستتخذ إجراءات ضدهم” وعندما يطرق ضيف أو محتاج بيت أحدنا فعلينا طرده وعدم استقباله، أو التعرض للإصابة بكورونا والعقوبات والغرامات؟ ألم أقل بأنه وباء شرير لم يصب أجسادنا وأرواحنا بل وحتى مبادئنا ومثلنا وأرواحنا؟ علينا أن نعود إلى حياتنا الطبيعية، هذا ما ينادي به الكثيرون، أي حياة طبيعية هذه ووجوهنا وملامحنا مخفية خلف كمام، وقهوتنا التي نستمتع باحتسائها في مقهى جميل علينا أن نأخذها لنشربها في السيارة أو الشارع، والخوف يملأ كياننا من أن يكون الكوب ملوثا بالفيروس؟ والصديق الذي نلمحه علينا أن نلوح له من مكان بعيد، وأقرب الناس إلينا يجب أن نحميهم بالابتعاد عنهم وعدم زيارتهم، أي حياة طبيعية تلك والخوف والرعب يلاحقاننا من أي سطح أو جسم جامد نلمسهما وجسد بشري يقترب منا أو نسمع عطسته أو نشك في أنه مصاب بكورونا، فنهرع إلى المعقمات والماء والصابون؟ أي حياة طبيعية وحركتنا وتسويقنا ونشاطنا اليومي مراقب والآليات والضوابط المشددة والعقوبات والغرامات تلاحقنا؟ أي متعة ونكهة للسفر والتطواف في بلاد الله ونحن مقيدون بفحوصات وإجراءات وتعليمات وبراءات ذمة وعزل جزء منا وطوابير طويلة نقف فيها في المطارات…؟ الحياة الطبيعية التي سنعيشها بحق عندما يعلن العالم بأنه لم يعد لكورونا أي أثر في المعمورة. شهر يمضي نعتقد أنه كافٍ للتخلص مما نحن فيه، ويلحقه آخر فنؤمل أنه القاضي على كورونا، ويقفز بنا الزمن إلى الثالث ولا مؤشر على زوال البلاء، حرمني كورونا ومعي الكثيرون من أجمل لحظات الحياة عندما أستمتع فيها بقراءة كتابي المفضل وإعداد مقالي في المقهى الذي اعتدت احتساء قهوتي اليومية فيه، ومن هوايتي في ملاحقة غيمة تسكب مطرها على جبال بلادي الشاهقة فتتدفق الشلالات والشعاب والأودية مبتهجا بجمال الطبيعة، من السفر والتطواف في بلاد الله، من قضاء الإجازة الأسبوعية في قريتي الجميلة، من ممارسة الرياضة في شاطئ العذيبة والتأمل في بحرها الممتد إلى ما لا نهاية، من التجمع الأسري وبرنامجه الممتع وأطباقه الشهية وأحاديثه وقصصه وذكرياته المبهجة، من بهاء الحياة وجمالها وفضائها الواسع. هل ستعيد اللجنة العليا فتح الأسواق والأنشطة والمحلات التجارية ومتى وبأيها ستبدأ؟ هل ستقرر عودة الموظفين إلى أعمالهم ومؤسساتهم وما هي الإجراءات التي ستصاحب ذلك؟ متى ستفتح المساجد وسيبدأ الناس بمزاولة حياتهم الطبيعية ويرفع الحظر…؟ أسئلة وتكهنات وتوقعات وخلافات بشأن التعامل مع الجائحة واستعادة الحريات. وأنا أعد هذا المقال كانت الأخبار تأتي تباعا “دول الخليج تتعافى من فيروس كورونا، السعودية تعلن الخميس المقبل مرحلة جديدة لعودة الحياة لطبيعتها بشكل تدرجي. والإمارات تعلن رسميا عودة الحركة الاقتصادية. والكويت تعلن الخميس المقبل خطة جديدة لعودة الحياة لطبيعتها”، “السماح بإقامة صلاة الجمعة والجماعة في جميع مساجد المملكة بدء من اليوم الأحد”. فهل سنحذو حذوهم؟ أعتقد ذلك، فقوام الحياة وخصائصها ومعيشة الأفراد ومحفزات بقائهم بنيت على الحركة والعمل والنشاط والتجارة وتبادل المنافع وبرامج يومية معهودة ومعروفة لا يصلح الحال بدونها. مع كل تلك التحديات والمعيقات والإحباطات والمشاعر المؤلمة علينا في النهاية أن نتأقلم ونتعايش مع الأوضاع الطارئة، حماية للأرواح والبشر من خطر هذا الوباء فهما مقدمان على أية مصلحة أخرى، ولا نملك إلا الالتزام بقرارات وإجراءات اللجنة العليا، وأن نقف مع حكومتنا في تعميق التوعية، وبأن نكون قدوة ونموذجا للآخرين في تنفيذ كل ما من شأنه الوقاية من المرض، والمزيد من الصبر والتحمل، فالأزمة سوف تعبر قريبا إن شاء الله تعالى، وستبقى ذكرى ودرسا نقتبس منها الحكمة والموعظة والإصلاح والقوة والصلابة في مواجهة أية أزمات أخرى قادمة. وها نحن نشرع بأبصارنا نحو عيد الأضحى متطلعين أن نكون قد شفينا تماما من هذه الجائحة المدمرة لنتداوى نفسيا ـ في أحضان أحبائنا ـ قبل كل شيء.
المصدر: اخبار جريدة الوطن