لن تفلح جهود مكافحة كورونا حول العالم، إلا إذا نجح العلماء في تطوير لقاح يقي البشر شبح الإصابة بهذا الفيروس المخيف، لذلك هناك صراع محموم بين الدول وشركات الأدوية من أجل اكتشاف هذا اللقاح، حيث رصدت ملايين الدولارات من أجل الوصول لهذا الهدف، طمعا في السيطرة السياسية والعلمية والمكاسب المتوقعة من بيع اللقاح، حتى وإن تعهدت معظم الجهات المنخرطة في البحث بإتاحة المصل بأسعار رمزية لكافة دول العالم التي وصلتها الجائحة؛ من منطلق أخلاقي وتماشيا مع القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية التي تمنع التكسب من العلاجات واللقاحات في زمن الجائحة العالمية، ولكن المكاسب ستأتي حتما في وقت لاحق.
وتحتاج هذه اللقاحات المحتملة لتجربتها على الفئران أولا، ومن ثم القرود أو الخنازير، حتى تصل إلى مرحلة التجارب السريرية على البشر، ويحتاج الوصول لنتائج موثوقة إلى وقت وميزانيات ضخمة؛ حتى يتسنى مراقبة الآثار الجانبية، والتأكد من مدى فعاليتها مع مختلف الأعمار والأعراق والجنسيات.
وكانت جامعة أكسفورد سباقة في الإعلان عن قرب توصلها للقاح المنتظر بالتعاون مع شركة دواء بريطانية، ولكن جهودها تعرضت لانتكاسة كبيرة، فوفقا لصحيفة “ديلي ميل” الإنجليزية، فإنه عند تجربة اللقاح على قرود الريسوس، أصيبت القرود الستة التي تم إعطاؤها اللقاح بفيروس كورونا، لتذهب آمال الباحثين أدراج الرياح، بعد أن مولت الحكومة البريطانية البحث بأكثر من 90 مليون جنيه إسترليني، وأنتجت الشركة الراعية حوالي 100 مليون جرعة من اللقاح، الأمر الذي تسبب في هبوط حاد لأسهم الشركة في البورصة.
كشف أحد المشاركين في البحث أن القرود التي تلقت اللقاح كان لديها نفس كمية “كورونا” في أنوفها، حالها حال القرود غير المحصنة، وبعد إصابة جميع القرود الملقحة بمصل أكسفورد، تأكد أن اللقاح المزعوم ليس بمقدوره وقف انتشار المرض، واستبعد العلماء التوصل للقاح فعال قبل نهاية هذا العام، محذرين الناس من التعلق بالآمال الزائفة ولكن الفائدة المؤكدة للقاح أكسفورد، هو نجاحه في منع انتقال الفيروس للرئتين، واقتصار تأثيره على أنوف القردة المحصنة، مما يعد خطوة مهمة على طريق التوصل للقاح فعال ينبغي البناء عليها.
ذكرتني قصة إصابة القرود الستة بـ”كورونا” بأحداث الفيلم السينمائي المصري “جري الوحوش” تأليف الكاتب الراحل محمود أبو زيد وإخراج علي عبد الخالق، والتي تحكي عن تاجر الذهب الثري “نور الشريف” الذي لا ينجب، ويعلم من صديقه طبيب أمراض الذكورة والعقم “حسين فهمي” بأنه توصل لاكتشاف علمي جديد قام بتجربته على قردين أحدهما عقيم والآخر شديد الخصوبة، بإجراء عملية نقل جزء من “الإنتريالوب” ـ وهو الفص الأمامي من الغدة النخامية التي تتحكم في كافة أنشطة الجسم، وتفرز الهرمونات المسؤولة عن النمو والخصوبة والإنجاب لدى الرجل والمرأة ـ من القرد السليم وزراعته في مخ القرد المريض.
اقتنع الرجل الثري بالتجربة ورأى أنها ستساعده على الإنجاب، بعدما اصطحبه الطبيب إلى قفص القرود وشرح له كيف نجح القرد العقيم في الإنجاب بعد نقل جزء من “الإنتريالوب” من القرد السليم، ويبحث الطبيب والثري عن متبرع أو بائع لهذا الجزء، ليجدا ضالتهما في عبد القوي شديد “محمود عبد العزيز” المنجد الفقير كثير الإنجاب، والذي يقبل بإجراء العملية مقابل نصف ثروة تاجر الذهب، مع تعهد كتابي بأن العملية لن تؤثر على صحته، ولزيادة الاطمئنان اصطحبه الطبيب إلى قفص القرود ليشاهد بنفسه نشاط القرد بعد إجراء العملية، ويسافر الثلاثة للخارج، إلى بلد يسمح بإجراء هذا النوع من العمليات، وتنجح عملية النقل، ولكن تبدأ صحة المنجد وتاجر الذهب في التدهور، وتسوء حالة المنجد الجسدية والنفسية، ويطلب من الطبيب إرجاع الأموال التي تقاضاها، مقابل إعادة الجزء الذي اقتطعه من مخه، وطوال هذه الأحداث يظل الهاجس المسيطر على المنجد، هو سؤال الطبيب عن حالة القرد المنزوع “الإنتريالوب” مرددا الجملة الشهيرة .. “القرد لسه بيطنطط”؟!
المصدر: اخبار جريدة الوطن