وبطبيعة الحال، لا يمكن المضي قدما في هذه المبادرة بدون وجود السلطنة وموانئها على الخريطة، وكما كانت موانئ السلطنة منذ القدم واجهات استيراد وتصدير لمختلف البضائع من وإلى مختلف دول العالم، فهي كذلك في الوضع الراهن وفي المستقبل.
تسعى جمهورية الصين الشعبية المنافس الاقتصادي الأكبر للولايات المتحدة الأميركية إلى إيجاد طريق آخر بعيدا عن السيطرة الرأسمالية على دول العالم وذلك من خلال ما يسمى بمبادرة الحزام والطريق. وتهدف الصين من خلال ما تسميه «روح المبادرة» إلى التعاون والكسب المشترك بين دول العالم، وهذا يعتبر حسب وصف الصين أهم منتج معنوي تصدره الصين للعالم ولا تقل أهميته عن أهمية المنتجات الصلبه والتكنولوجيا.
ونظرا لافتقاد الاقتصاد الغربي الناضج إلى الحيوية، ومعاناة الدول النامية من نقصان رأس المال وضعف في البنيه التحتية، والعواقب السلبية للعولمة الرأسمالية التي أدت إلى تهميش دول العالم الثالث واقتران معونات غربية مشروطة دون مراعاة أو احترام للنظم السياسية والمكونات الثقافية لتلك الدول، الأمر الذي يعود إلى اختلاف الوضع العالمي الحالي عن سنة ١٩٨٩ حيث أدت الأزمات الاقتصادية والسياسية بالمعسكر الغربي إلى فشل النموذج الغربي في الفرض بالقوة، وإلى أصوات تتعالى في العالم الثالث والمجتمعات الغربية لمساءلة العولمة الرأسمالية، تعد مبادرة الحزام والطريق فرصة لتلك التدول للتغلب على مشكلاتها الاقتصادية، فالمبادرة عبارة عن استراتيجية كبرى تفيد المصلحة الصينية في المقام الأول والدول النامية بخاصة والواقعة على طريق الحزام والطريق.
لا تعتبر الصين مبادرة الحزام والطريق مشروعا ضخما لتنمية الاقتصاد والتجارة فقط، بل يمثل الرؤى المشتركة والشاملة لمستقبل البشرية والسلام العالمي والتنمية المستدامة للصين وللعالم، وفرصة لإحياء القيمة التاريخية لطريق الحرير الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد والذي كان مجموعة من الطرق المترابطة تسلكها القوافل. طريق الحرير البحري هو مصطلح أطلق على مجموعة من الطرق التجارية البحرية، وطريق الحرير يعني طريق السلام والتعاون والمعرفة. ورغم هذه الصورة الإيجابية التي تطرحها الصين عن مبادرتها، إلا أنها تقابل بالتشكيك من قبل بعض الدول كأميركا والدول الأوروبية في النوايا المعلنة عن أهداف المبادرة حسب ما ورد في عربية «سكاي نيوز» سنة 2019م. ومع توقيع حوالي 126 دولة و29 منظمة عالمية على وثائق للتعاون في هذا المشروع حتى سنة 2019 إلا أنه ما زالت المخاوف كبيرة، خصوصا من الناحية الأمنية والسياسية من جهة، ومن ناحية المصداقية والشفافية أيضا تجاه تلك المبادئ من جهة أخرى. وقد تتمحور أكبر المخاوف من المشروع في كونه يعمل على ازدياد نفوذ الشركات الصينية وإقراض الصين للدول المستفيدة من المبادرة، ما قد يوقع تلك الدول في سلسلة طويلة من الديون التي يصعب التخلص منها على الرغم من تأكيد الصين على التمسك بالنوايا الأصيلة للمبادرة، ولكن ما زالت الهواجس مطروحة، حسب تقرير الجزيرة نت سنة 2019. من أهم العوامل المؤهلة للصين للقيام بهذه المبادرة ـ حسب وجهة النظر الصينية ـ هو اكتشاف أسلوب خاص بالصين في التنمية وإجراء الإصلاحات بشكل مستمر بروح الإبداع وتحقيق التوازن بين الإصلاح والتنمية والاستقرار. وقد حددت الصين مجالات التعاون في مبادرة الحزام والطريق ليشمل تعاون الحكومات مع بعضها البعض وترابط المنشآت بين تلك الدول وتواصل التجارة والأعمال، بالإضافة إلى توفير ضمانات مالية، وذلك بالاستثمار في البنك الآسيوي للاستثمار في التنمية، وأخيرا إتاحة فرص واسعة للتواصل بين الشعوب. وهناك مبادئ عامة تسعى الصين من خلالها إلى البناء المشترك في هذه المبادرة وهي الالتزام بمقاصد وبمبادئ الأمم المتحدة، والتمسك بالانفتاح والتعاون بين دول العالم، والتمسك بالانسجام والتسامح، والتمسك بالمصلحة المتبادلة والكسب المشترك، والتمسك بقواعد السوق والقواعد المعمول بها دوليا. وتعد المبادرة وسيلة لتصدير المنتجات الصينية التي وكنتيجة لتراكم الثروات المالية والتكنولوجية الصينية أدى إلى ارتفاع حجم الاقتصاد ومعاناة من فائض القدرة الإنتاجية وصعوبات التصدير للبلدان الغربية بسبب سياساتها الخاصة بالتجارة الخارجية. ولتحقيق التنمية المستدامة يتطلب إصلاح نمط التنمية وإيجاد دوافع نمو جديدة للاقتصاد الصيني. ولتحقيق نجاح المبادرة وتسويقها للعالم اعتبرت الصين أن التنمية أولوية كبرى مما تطلب تحرير الفكر وعدم التقيد بالنص للتراث الصيني، وتحقيق الاتفاق الوطني واعتماد الإصلاح التجريبي وإصلاح النظام السياسي بشكل جذري. والأهم هو خلق بيئة دولية صالحة للتنمية والانفتاح، ويرجع السبب في هذا النمو الاقتصادي إلى الإصلاحات التي نفذتها الحكومة الصينية خلال الـ40 سنة الماضية والتي كانت من نتائجها أيضا إخراج أكثر من ٧٠٠ مليون نسمة من الفقر حسب معيار الأمم المتحدة، حيث كان دخل الفرد أقل من دولارين يوميا. وارتفع احتياطي العملات الأجنبية بالصين إلى (٣٠٧٣) مليار دولار والذي يعتبر الرقم الأول في العالم. وتعتبر الصين أكبر دائن للولايات المتحدة للسندات الحكومية (١.١٧) تريليون دولا، وقد بلغت التجارة الخارجية (٤٦٢٠) مليار دولار سنة ٢٠١٨. وبلغت نسبة نمو الاقتصاد الصيني في سنة ٢٠١٨ إلى (٦.٦ا%) متجاوزة بذلك اليابان (٠.٦%) وأميركا (٢.٩%) حسب تقرير البنك الدولي. وحققت الصين نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي ٧.١% سنويا والتي تعد ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
وبطبيعة الحال، لا يمكن المضي قدما في هذه المبادرة بدون وجود السلطنة وموانئها على الخريطة، وكما كانت موانئ السلطنة منذ القدم واجهات استيراد وتصدير لمختلف البضائع من وإلى مختلف دول العالم، فهي كذلك في الوضع الراهن وفي المستقبل. وقد انضمت السلطنة لمبادرة الحزام والطريق سنة 2018 لتأكيد دورها الحيوي في تسهيل عمليات الترابط والتعاون بين السلطنة والصين من جهة، وبين السلطنة والدول الأخرى المشاركة في المبادرة من جهة أخرى. وقد اتضحت فائدة دعم ومشاركة السلطنة في هذه المبادرة في استثمار الشركات الصينية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، حيث تقوم الشركات الصينية ببناء المدينة الصناعية الصينية العمانية في منطقة الدقم بالسلطنة باستثمار يتجاور (10.7) مليار دولار. وحسب إفادة سعادة الدكتور الشيخ/ عبدالله بن صالح السعدي ـ سفير السلطنة السابق في جمهورية الصين الشعبية (للوطن العربي) سنة 2019م بأنه «بلغ حجم التبادل التجاري بين السلطنة والصين (21.74) مليار دولار سنة 2018م بزيادة قدرها (40%) مقارنة بسنة 2017م، حيث استوردت الصين من عمان بقيمة (18.86) مليار دولار وصدرت إليها ما قيمته (2,88) مليار دولار. وقد استفادت الشركات الصينية من الفرص الاستثمارية بالسلطنة من خلال العمل في عدة مجالات منها البنية الأساسية والإنشاءات والاتصالات والكهرباء والنفط.» وأضاف بأن السلطنة حصلت على قرض تمويلي من البنك الآسيوي للاستثمار لتنفيذ عدد من مشاريع البنية الأساسية في مختلف محافظات السلطنة. وأخيرا، كانت الاستفادة من التعاون في هذه المبادرة إضافية من خلال جائحة فيروس كورونا (كوفيد –19) حسب إفادة (جريدة الشبيبة) بلقاء مع سعادة السفيرة الصينية لدى السلطنة، حيث تم التعاون للحصول على أجهزة لقياس درجة الحرارة للأشعة تحت الحمراء لاستخدامها في مطار مسقط الدولي وأيضا كواشف اختبار الحمض النووي، بالإضافة إلى الحصول على مواد طبية من الشركات الصينية خصوصا للمنطقة الاقتصادية بالدقم. وقد تم تسليم مائة ألف كمامة طبية من الجانب الصيني خلال الجائحة. وبالطبع هناك تعاون وثيق لتوطيد العلاقات المتبادلة بين الدول المساهمة في مبادرة الحزام والطريق بقيادة جمهورية الصين الشعبية، ما سيؤدي إلى ازدياد فرص التعاون المشترك لتحقيق أهداف أكبر حسب ما تروج له هذه المبادرة.
فاطمة بنت محمد البلوشية
كاتبة عمانية
—————
مراجع:
– محاضرات برنامج الابتكار والتكنولوجيا للدول العربية
– عربية سكاي نيوز
– تقرير البنك الدولي 2018
– جريدة الوطن العربي
– جريدة الشبيبة
– الجزيرة نت
المصدر: اخبار جريدة الوطن