على الوفاء شاهدون وبالنهج معك سائرون
علامة بارزة في ذاكرة الصحافة العمانية
ـ اختيار الأب القائد لـ(الوطن) تعبير عن تقدير لأول صحيفة في السلطنة
ـ قراءة كاشفة من لدن مؤسس عمان الحديثة للتحديات القائمة قدمتها (الوطن)
ـ الأب القائد بين من خلال الحوار ملامح نهج تميزت به عمان في الأمن والتسامح ومد يد الصداقة
ـ (الوطن) كانت راصدة لأولويات تنفيذ المشروعات التنموية والرؤية الحكيمة التي انبثقت منها توجهات التنويع الاقتصادي
أعده للنشر ـ هيثم العايدي:
منذ أن اختطت (الوطن) أول حرف في الصحافة العمانية .. تراكمت في ذاكرتها أحداث متعددة .. أحداث بحجم تجربة شعب حقق معجزة نهضوية باتت محط إعجاب العالم، ولكن يبقى الحوار الذي أدلى به المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ لـ(الوطن) والمنشور في عدد (الوطن) الصادر في الـ8 من أبريل 1971 ـ أي بعد نحو 8 أشهر فقط من بدء مسيرة النهضة المباركة علامة بارزة في ذاكرة الصحافة العمانية.
فهذا الحوار الذي أجراه رئيس تحرير (الوطن) آنذاك المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ الأستاذ نصر بن محمد الطائي، يعد أول حوار صحفي يجريه مؤسس الدولة العمانية الحديثة مع صحفي عماني، كما أنه لم يكن استكشافا لمرحلة فارقة من التاريخ العماني فحسب، بل كان أيضا استشرافا لنهج أسسه جلالة السلطان الراحل، وتجلت ثماره على مدار العقود الماضية، وأيضا نقل لوعد قطعه باني عمان الحديثة وأوفى به، وكانت (الوطن) شاهدة على هذا الوفاء، وستبقى سائرة على هذا النهج.
ولم يكن اختيار جلالة السلطان الراحل لـ(الوطن) لتكون منبرا لأول حوار صحفي يجريه فقيد الوطن مع صحفي عماني إلا تعبيرا عن تقدير من لدن الأب القائد لأول صحيفة تصدر في عُمان، حيث أبدى ـ رحمه الله ـ سعادة بالغة بالأداء المهني والإخراجي ومقدار شجاعة قرار إصدارها بما يحمله من مجازفة كبيرة، حيث قال “…بكثير من الغبطة والتقدير، تلقيت خبر صدور أول جريدة في عمان، لا أريد أن أتحدث عن الذوق الرفيع في تبويبها وإخراجها، أكثر مما أتحدث عن هذه الهمة والمجازفة في إصدار جريدة..”.
كما قال “أعلم علم اليقين متاعب هذه المهنة ومشاكلها وأبعادها، فالصحافة مسؤولة عن كل حرف يُكتب بها، والصحفي جندي لا ينام بالليل والنهار من أجل مهنته، ومن اعتنق الصحافة طريقا، اعتنق التوجيه وتنوير الرأي العام”.
مضيفا ـ طيب الله ثراه ـ “الصحافة اليوم هي واجهة البلاد، فتنقل أخبارها، وتبرز محاسنها وعيوبها، من أجل نهضتها ونموها”.
والحوار الذي تم إجراؤه في الـ30 من مارس عام 1971 تضمن قراءة كاشفة من لدن جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ للتحديات القائمة في مستهل مسيرة النهضة المباركة، والرؤية الثاقبة والحكيمة التي عملت على مواجهة هذه التحديات.
وفي هذا الصدد قال جلالة السلطان الراحل “هذه الحكومة جادة في العمل، وفي نفس الوقت ما تزال هناك الكثير من العقبات التي يجب عليها اجتيازها، وإن بناء الوطن لا يمكن أن يكون بين عشية وضحاها”.
أما ما تنعم به السلطنة الآن من أمن وأمان وتسامح بات يشار له بالبنان فقد جاء من رؤية واضحة، ورغبة صادقة من لدن جلالة السلطان الراحل في إقامة دولة العدالة والمساواة، حيث قال ـ رحمه الله ـ في الحوار “عهد قابوس هو عهد الشعب.. والظلمات فيه لن يكون لها أثر.. فباب السلطان مفتوح لتلقي الشكاوى ورفع المظالم”.
وأضاف “نعم ولا زلت أقول (عفا الله عما سلف)”.
وفي هذا الحوار الذي انفردت به (الوطن) وضع جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ النهج الذي يسير عليه الحاكم والذي “عليه أن يعمل جهده في خدمة الوطن والشعب” و”مسؤولياته تتبع جميع الأمور، ويحث على العمل، ومواصلة العمل في القيام بجميع المسؤوليات الملقاة على عاتق جميع المسؤولين في حكومته، وعلى أن يوجههم التوجيه السليم، بعد أن يتأكد أن الطريقة التي يسلكها ذاتها، وأن الرأي هو الرأي السليم”.
واضعا أيضا أول ملامح نهج الشورى، حيث قال “وهذا معناه أحيانا يشاور ثم يعود إلى الوراء من التجارب التي مرت به، وبهذا يكون رأيا سليما”.
مبينا أن “الحاكم في هذا البلد في وقتنا هذا لا يريد أن ينفرد بالسلطة، وإنما يريد أن يرى جميع الجهات في هذا البلد تتعاون جميعا وتتشاور وتتباحث لما فيه مصلحة هذه الأمة”. ومؤسسا للمنظومة الرقابية، حيث قال “الحاكم يراقب سير الأعمال حتى إذا ما رأى هناك انحرافا قام بتغييره”.
أما عن ثقة جلالة السلطان الراحل في الإنسان العماني وقدراته فقد تجلت في قوله ـ رحمه الله ـ “لقينا تجاوبا كبيرا من المواطنين، ولمسنا منهم شعورا بالمسؤولية نحو بناء وطنهم” .. “سرني أن أرى كثيرا من المواطنين هبوا للعودة للوطن، للمشاركة في تقدم هذا الوطن وبنائه”.
ورصد هذا الحوار التاريخي رؤية جلالة السلطان الراحل لأولويات تنفيذ المشروعات التنموية في كل أنحاء السلطنة، حيث قال ـ طيب الله ثراه ـ “المدارس هي أهم شيء والمستشفيات والطرق شرع في تمهيدها من مطرح إلى صحار، ومن العاصمة إلى نزوى وحتى تتوفر المواصلات وتكون سهلة يمكن بعد ذلك أن يشعر الإنسان بتنفيذ الخطوة الأخرى”.
كما كان هذا الحوار كاشفا للرؤية الحكيمة لمؤسس الدولة العمانية الحديثة ـ رحمه الله ـ والتي انبثقت منها توجهات التنويع الاقتصادي، حيث قال “عن قريب ربما تكون هناك صناعات أخرى خفيفة كتعليب التمور ومصنع لتعليب الأسماك، واذا ما تقدمت الزراعة سيفتح مصنع للأعصرة كالليمون والطماطم وهذا يتوقف على كيفية تطور الزراعة”. .. “سنرى في المستقبل كيف يكون التخطيط لمصنع النسيج باستعمال القطن المحلي أو القيام بالاستيراد هذا شيء على البال”. واضعا كذلك القواعد المؤسسة والضوابط التي ينبغي أن يسير عليها القطاع الخاص الوطني بقوله ـ رحمه الله ـ “التاجر كما هو تاجر وعلى الحكومة أن تعمل اللازم”.
وعبر حواره مع (الوطن) بيَّن جلالة السلطان الراحل النهج الذي سارت عليه الدبلوماسية العمانية والتي مدت يد الصداقة للجميع، حيث قال رحمه الله “كلما أكثر الإنسان من الأصدقاء، فإن ذلك من الأصلح”، ووعده الذي تحقق بتقوية العلاقات الدولية، حيث قال “علاقاتنا الدولية مع جميع الدول التي اتصلنا بها حسنة، وهناك إن شاء الله في المستقبل سيكون تبادل دبلوماسي” واضعا المحددات الأساسية للعلاقات الدبلوماسية بقوله ـ رحمه الله “نحن دائما نوجه علاقاتنا مع الدول الأخرى علاقات الند للند، وهذا دائما نجعله واضحا مع الدول التي نتصل بها”.
ومثمنًا دور (الوطن) في الرصد الدقيق للدبلوماسية العمانية، حيث قال “لا شك أن “الوطن” نقلت أخبار وفد الصداقة إلى الدول العربية وما لقيه من حفاوة وحماس لعمان وشعبها”.
رحم الله جلالة السلطان الراحل الذي وعد وأوفى، وجزاه الله عنا كل خير .. وتجدد (الوطن) العهد سائرة على النهج موثقة ومشاركة في نهضة عمان.
المصدر: اخبار جريدة الوطن