الثلاثاء ، 24 ديسمبر 2024
احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / خطبة الجمعة: (إنَّ الله على كل شئ قدير)

خطبة الجمعة: (إنَّ الله على كل شئ قدير)

(القدير) من أسماء الله الحُسنى وهو اسمُ جمال وجلال وكمال يُشعِرُ النفس بمعنى العظمة المؤمن بعظيم قدرة الله وَحُسن تدبيره لا يغفل عن اسـتشعار تلك العظمة في كُل وقت وحين

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَتَنَزَّهَتْ ذَاتُهُ، وَعَظُمَتْ آلاؤُهُ، سُبْحَانَهُ، لَيْسَ لِفَضْـلِهِ حُدُودٌ قَاطِعَةٌ، وَلَيْسَ لِقُدْرَتِهِ سُدُودٌ مَانِعَةٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، السَّمِيعُ الْبَصيرُ، وَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ الأنَامِ، وَمِصْبَاحُ الظَّلامِ، أَرْسَى أُسُسَ الْعَقِيدَةِ، وَبَيَّنَ مَعَالِمَ الدِّينِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي ـ عِبَادَ اللهِ ـ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ لا سَعَادَةَ تُرْجَى فِي الدُّنيَا إِلاَّ بِالتَّقْوَى، وَلا نَجَاةَ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ بِالتَّقْوَى، (يا أيُّها الذينَ آمنوا اتّقوا الله ولتنظُر نَفسٌ مَا قدَّمت لِغدٍ واتّقوا الله إنَّ اللهَ خبيرٌ بما تعملون) (الحشر ـ 18)، وَاعْـلَمُوا ـ عَلَّمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ للهِ تَعَالَى الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ، وَلَهُ الصِّفَاتِ الْعُلَيا الَّتِي لا يَسْـتَحِقُّهَا سِوَاهُ، وَهِيَ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْـلِمٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِهَا كَإِيمَانِهِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَاسْـتِحقَاقِهِ وَحْدَهُ لِلْعُبُودِيَّةِ، إِيمَانًا يَقِرُّ فِي الْقَلْبِ وَيُتَرْجِمُهُ الْعَمَلُ، حِرْصًا فِي الْقُرْبِ مِنَ اللهِ الْعَظِيمِ، وَحُبًّا فِي نَيْلِ رِضَاهُ، وَرَجَاءً فِي ثَوَابِهِ، وَخَشْيَةً مِنْ عِقَابِهِ. وَمِنْ أَسَمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى ـ عِبَادَ اللهِ ـ اسْمُ الْقَدِيرِ، اسْمُ جَمَالٍ وَجَلالٍ وَكَمَالٍ، يُشْعِرُ النَّفْسَ بِمَعْنَى الْعَظَمَةِ، وَيَمْـلَأُ الْقَلْبَ بِسِرِّ الْهَيْبَةِ، إِنَّهُ اسْمٌ يَحْمِلُ مَعْنَيَيْنِ عَظِيمَيْنِ، مَعْنَى التَّقْدِيرِ الْمُتْقَنِ، وَمَعْنَى الْقُدْرَةِ الْمُطْلَقَةِ. فَاللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ مُقَدِّرُ الأُمُورِ وَمُجْرِيهَا، يُقَدِّرُ لِلأَجْسَامِ وَالأَعْرَاضِ وُجُودَهَا ثُمَّ يُقَدِّرُ لَهَا كَيْفِيَّاتِهَا وَحُدُودَهَا وَمَقَادِيرَهَا، بَإِبْدَاعٍ وَإِتْقَانٍ، يَقُولُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ:(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر ـ 49)، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ:(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس 38 ـ 40)، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْقُدْرَةُ الْمُطْلَقَةُ الَّتِي لا تَحُدُّهَا حُدُودٌ وَلا تَمْـنَعُهَا مَوَانِعُ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، قَالَ تَعَالَى:(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (يس ـ 81)، وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا:(وكان الله على كل شئ مقتدراً)، وَقالَ:(.. أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّـهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة ـ 148)، فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ القَادِرُ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ.

عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ قُدْرَةَ اللهِ العَظِيمِ الْمُطْلَقَةَ تَتَجَلَّى فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ، صُوَرٍ غَيْرِ مَعْدُودَةٍ وَلا مَحْدُودَةٍ فَهِيَ تَتَجَلَّى بِوُضُوحٍ فِي بَدِيعِ خَلْقِهِ وَعَظِيمِ صُنْعِهِ، فَالْوُجُودُ بِكُلِّ جُزْئِيّاتِهِ وَذَرَّاتِهِ، وَبِكُلِّ نَوَامِيسِهِ وَقَوَانِينِهِ، مَا هُوَ إِلاَّ أَثَرٌ لِتَجَلِّيَاتِ قُدْرَةِ الْخَلَّاقِ الْقَدِيرِ، (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الذاريات 20 ـ 21)، لِذَا فَاللهُ سُبْحَانَهُ يَلْفِتُ انْتِباهَ خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ إِلَى هَذَا الْكَوْنِ الْمَنْظُورِ لِيَتَفَكَّرُوا فِي خَلْقِهِ فَيُدْرِكُوا عَظَمَةَ الْخَالِقِ وَقُدْرَتَهُ، (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية 17 ـ 20) ، وَيَقُولُ تَعَالَى:(اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطلاق ـ 12)، فَكَمَا تَتَجَلَّى قُدْرَةُ اللهِ الْعَظِيمِ فِي إِيجَادِ الْخَلْقِ وَإِبْدَاعِهِ، تَتَجَلَّى فِي تَسْيِيرِ ذَلِكَ الْخَلْقِ وَوَضْعِ نَوَامِيسِهِ، وَتَتَجَلَّى كَذَلِكَ فِي تَبْدِيلِ أَوْضَاعِهِ وَتَغْيِيرِ أَحْوَالِهِ، (قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران 26 ـ 27) فَسُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، ذِي الْقُدْرَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَالإِرَادَةِ النَّافِذَةِ، بَرَاهِينُهُ سَاطِعَةٌ، وَحِكْمَتُهُ بالِغَةٌ، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف ـ 54).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَلِّمُنَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ أَنَّهُ كَمَا بَدَأَ الْخَلْقَ فَإِنَّ إِعَادَتَهُ عَلَيْهِ أَهْوَنُ، وَكَمَا وَضَعَ لِلْكَوْنِ نَوَامِيسَهُ وَسُنَنَهُ، فَخَرْقُ تِلْكَ النَّوَامِيسِ وَالسُّنَنِ عَلَيْهِ أَهْوَنُ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ هَيِّنٌ. فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي جَعَلَ النَّارَ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الَّذِي أَنَامَ أَصْحَابَ الْكَهْفِ قُرُونًا عَدِيدَةً، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ عِيسَى بِنَفْخَةٍ مِنْ رُوحِهِ فَوُلِدَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ. وَلأَجْـلِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ الْمُطْلَقَةِ – عِبَادَ اللهِ -، فَإِنَّ حِمَايَةَ اللهِ هِيَ الْحِمَايَةُ، وَصَوْنَهُ هُوَ الصَّوْنُ، ورِعَايَتَهُ هِيَ الرِّعايَةُ، وَلا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَى مِنْهُ سُبْحَانَهُ إِلاَّ إِلَيْهِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُمْـتَنًّا عَلَى خَلْقِهِ بِهَذَا:(قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ اللَّـهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) (الانعام 63 ـ 64)، وَمَعَ كُلِّ ذَلِكَ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُبَيِّنُ لِخَلْقِهِ أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى حِفْظِ خَلْقِهِ وَتَصْرِيفِ أُمُورِهِمْ تُصَاحِبُهَا قُدْرَةٌ مِنْهُ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ وَمُجَازَاتِهِمْ عَلَى سُوْءِ صَنِيعِهِمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيا، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (الانعام ـ 65)، فَكَمْ مِنْ أُمَّةٍ ظَالِمَةٍ أَبَادَهَا اللهُ، وَكَمْ مِنْ طَاغِيَةٍ أَذَلَّهُ اللهُ، فَأَيْنَ عَادٌ وَثَمُودُ، وَأَيْنَ فِرْعَوْنُ وَنَمْرُودُ. فَمَا أَعْظَمَ قُدْرَتَهُ سُبْحَانَهُ، وَمَا أَرْفَعَ وَأَجَلَّ سُلْطَانَهُ، (وَهُوَ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص ـ 70).

فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَافْقَهُوا مَدْلُولَ اسْمِ اللهِ الْقَدِيرِ، عِيشُوا مَعَانِيَهُ، وَحَقِّقُوا مُقْتَضَاهُ، وَكُونُوا مَعَ اللهِ، تَجِدُوا اللهَ مَعَكُمْ بِقُدْرَتِهِ وَحِفْظِهِ وَغِنَاهُ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِنَّ الْمُؤْمِنَ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ، لا يَغْفُلُ عَنِ اسْـتِشْعَارِ تِلْكَ الْعَظَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، مَعَ الإِحْسَاسِ الصَّادِقِ بِالافْتِقَارِ إِلَى مَعِيَّةِ اللهِ، لِذَا فَهُوَ دَائِمًا ذاكِرٌ دَاعٍ. يَرَى آثَارَ قُدْرَةِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ تُحِيطُ بِهِ، فَيَذْكُرُ رَبَّهُ مُسَبِّحًا مُكَبِّرًا، وَيَرَى أَثَرَ نَعْمَائِهِ عَلَيْهِ، فَيَنْقَلِبُ حَامِدًا شَاكِرًا، وَعِنْدَمَا تُحِيطُ بِهِ الضَّوَائِقُ وَيَغْلِبُهُ ضَعْـفُهُ، يَرْفَعُ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ بِالدُّعَاءِ إِلى الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، فَيَكُونُ حَالُهُ دَائِمًا بَيْنَ الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ. وَهَذَا الَّذِي يُرِيدُهُ اللهُ مِنَّا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر ـ 15)، إِنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يَسْعَى لِلْفَوْزِ بِمَعِيَّةِ اللهِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَالَّذِي يُوقِنُ بِقُدْرَةِ اللهِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَبِتَصْرِيفِهِ الْمُتْقَنِ لِلأُمُورِ، يَكُونُ مُؤْمِنًا قَوِيًّا، وَلَوْ مَزَّقَتْ ثَوْبَ سَكِينَتِهِ الْخُطُوبُ، وَنَهَشَتْ جَسَدَ رَاحَتِهِ الْكُرُوبُ، وَلَوْ جَمَعَ النَّاسُ ضِدَّهُ عُدَّتَهُمْ وَعَتَادَهُمْ، فَإِنَّهُ يَبْـقَى مَعَ كُلِّ ذَلِكَ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ، مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ، وَاثِقَ الْخُطَى، لأَنَّهُ يَلُوذُ بِمَنْ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ. فَهَذَا نَبِيُّ اللهِ مُوْسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا، وَمُوْسَى وَمَنْ مَعَهُ يُدْرِكُونَ خَطَرَ الْجَيْشِ الَّذِي يُلاحِقُهُمْ، فَتَفَاجَأُوا بِالْبَحْرِ أَمَامَهُمْ، مُتَلاطِمَةً أَمْوَاجُهُ، حَتَّى قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء ـ 61)، فَأَجَابَهُمْ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ الْوَاثِقُ بِاللهِ وَالْمُدْرِكُ لِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ:(قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء ـ 62)، وَهُوَ لا يَعْـلَمُ وَقْتَهَا كَيْفَ سَيَهْدِيهِ رَبُّهُ، لَكِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ اللهَ مَعَهُ، وَمَنْ كَانَ اللهُ مَعَهُ فَلَنْ يُضَيِّعَهُ، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ:(فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء ـ 63)، وَهَذَا رَسُولُ اللهِ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ فِي الْغَارِ يَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ أَدْرَكَ حَقِيقَةَ الْخَطَرِ الْمُحْدِقِ بِهِمَا، وَالأَعْدَاءُ قَدِ اقْتَرَبُوا مِنَ الْغَارِ:(وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ إِلَى مَوْطِنِ قَدَمِهِ لَرَآنَا”، فَأَجَابَهُ الْمُصْطَفَى مُطَمْـئِنًا:(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا) (التوبة ـ 40)، فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ:(فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة ـ 40)، فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يَنْسَى الدُّعَاءَ مَنْ سُدَّتْ فِي وَجْهِهِ أَبْوَابُ الْحَيَاةِ، وَتَقَلَّبَ حَالُهُ عَلَى شَوْكِ الْهُمُومِ وَالْكُرَبِ وَهُوَ يَعْـلَمُ خَبَرَ ذِي النُّونِ يَوْمَ أَنْ نَادَى رَبَّهُ وَهُوَ فِي ظُلُمَاتٍ فَوْقَهَا ظُلُمَاتٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ:(أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء ـ 87)، فَجَاءَتْهُ الإِجَابَةُ:(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الانبياء ـ 88).

فَاتَّقوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَادْعُوهُ فِي كُلِّ حَاجَاتِكُمْ مُتَضَرِّعِينَ، وَكُونُوا لَهُ مِنَ الذَّاكِرِينَ الشَّاكِرِينَ، تَجِدُوا اللهَ مِنْكُمْ قَرِيبًا مُجِيبًا.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى