نحو مـجـتمع مُنتج الإسلام لاينظر إلى الإنسان على أنه آلة وجدت لأجـل الإنتاج المادي فحسب بل إنسَان له رغائبه وحاجاته وطموحاته
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي سَخَّرَ لِعِبَادِهِ مَا يُحَقِّقُ مَصَالِحَهُمْ، وَيُنْتِجُ مَنَافِعَهُمْ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى فَضْـلِهِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَلِيُّ الإِحْسَانِ وَالإِنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، مِسْـكُ الْخِتَامِ وَمِصْبَاحُ الظَّلامِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ الأَئِمَّةِ الأَعْلامِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْـلَمُوا أَنَّ الإِسْلامَ يَنْظُرُ إِلَى الإِنْسَانِ أَنَّهُ مُسْـتَخْلَفٌ مِنْ رَبِّهِ ـ جَلَّ وَعَلاـ لِيَقُومَ بِعِمَارَةِ الأَرْضِ بِمَا يُرْضِي اللهَ سُبْحَانَهُ، وَبِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِي جِنْسِهِ بِمَنَافِعِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهُوَ مَخْـلُوقٌ مُكَرَّمٌ تَكْرِيمًا عَظِيمًا لَدَى خَالِقِهِ الْعَظِيمِ، أَسْجَدَ لَهُ مَلائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ، وَعَلَّمَهُ مَا يُسَهِّـلُ لَهُ الْمَعِيشَةَ عَلَى هَذِهِ الْبَسِيطَةِ، وَفَضَّـلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلقِهِ، يَقُولُ الْحَقُّ تَعَالَى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، لا يَنْظُرُ الإِسْلامُ إِلَى الإِنْسَانِ عَلى أَنَّهُ مَادَّةٌ بِلا حَيَاةٍ، أَوْ جَسَدٌ بِلا رُوحٍ، أَوْ آلَةٌ وُجِدَتْ لأَجْـلِ الإِنْتَاجِ الْمَادِّيِّ فَحَسْبُ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ إِنْسَانًا لَهُ رَغَائِبُهُ وَحَاجَاتُهُ وَطُمُوحَاتُهُ، وَمَشَاعِرُهُ وَأَحَاسِيسُهُ، فَيُرَاعِي مَا يُصْـلِحُ حَالَهُ، مِثْـلَمَا يُرَاعِي حَالَ أَفْرَادِ الْمُجْـتَمَعِ مِنْ حَوْلِهِ، وَيُؤَمِّنُ لِلْجَمِيعِ سُبُلَ الْعَيْشِ الْكَرِيمِ، وَيَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى مَا فِيهِ الصَّلاحُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ وَالْفَلاحُ فِي الآخِرَةِ، وَهَذِهِ الْخُطُوطُ الْعَرِيضَةُ تَتَجَلَّى وَاضِحَةً فِي تَوْجِيهَاتِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَإِرْشَادَاتِهِمَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَنْظِيمِ حَيَاةِ الإِنْسَانِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، فَجَمِيعُهَا تَصُبُّ فِي مَصْـلَحَةِ الإِنْسَانِ لأَنَّهَا مَنْهَجُ الإِلَهِ لِلْعِبَادِ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فَلَيْسَتْ مِنْ وَضْعِ الْبَشَرِ بَتَاتًا، وَمَا هِي بِنَظَرِيَّاتٍ أَفْرَزَتْهَا الْعُقُولُ الْبَشَرِيَّةُ، بَلْ هِيَ شَرْعُ اللهِ وَشَرِيعَةُ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وسلم).
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّ الإِنْسَانَ الْمُنْتِجَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ هُوَ الَّذِي يَنْدَفِعُ لِعِمَارَةِ الأَرْضِ بِعَقِيدَةٍ تَصِلُهُ بِبَارِئِهِ الْكَرِيمِ، الَّذِي وَعَدَهُ مُقَابِلَ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ عَمَلٍ أَجْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ، أَجْرًا مُعَجَّلاً لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَرِزْقًا خَالِدًا مُدَّخَرًا لَهُ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فَعِنْدَمَا يُقَدِّمُ عَمَلاً يَنْوِي بِهِ طَلَبَ ثَوَابِ اللهِ يَكْـتُبُهُ اللهُ لَهُ صَدَقَةً جَارِيَةً أَجْرُهَا لا يَنقَطِعُ:(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)، وَهُوَ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ يَقْتَدِي بِأَنْبِيَاءِ اللهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ الْكِرَامِ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللهِ تَعَالَى، الَّذِينَ غَرَسُوا الْغَرْسَ وَزَرَعُوا الزَّرْعَ لِيَأْكُلَ مِنْهُ الآكِلُونَ، فَيُكْتَبَ لَهُمْ فِي سِجِلاتِ حَسَنَاتِهِمْ لِيَكُونَ لَهُمْ ذُخْرًا يَومَ الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي يَنْطَلِقُ إِلى أَدَاءِ عَمَلِهِ وَتَقْدِيمِ خِدْمَاتِهِ لِوَطَنِهِ وَلِبَنِي جِنْسِهِ أَنْ يُخْـلِصَ نِيَّتَهُ، وَأَنْ يَسْـتَحْضِرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وسلم):(لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّـلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)، فَتِلْكَ الطَّيْرُ أَخَذَتْ بِأَسْبَابِ طَلَبِ الرِّزْقِ بِمَا قَامَتْ بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ فِي الْغُدُوِّ وَحَرَكَةٍ فِي الرَّوَاحِ، حَتَّى نَالَتْ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَا كَتَبَهُ لَهَا مِنَ الرِّزْقِ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْلَى خَلْقِ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ تَأْخُذَ بِأَسْبَابِ نَجَاحِ الإِنْتَاجِ، وَأَنْ تَتَّبِعَ أَفْضَلَ وَسَائِلِ الْعَيْشِ الْكَرِيمِ، وَبِذَلِكَ تُتَرْجِمُ شُكْرَكَ لِخَالِقِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي سَخَّرَ لَكَ خَزَائِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَمَكَّـنَكَ مِنْ تَسْخِيرِهَا فِيمَا يَعُودُ عَلَيْـكَ وَعَلَى بَنِي جِنْسِكَ بِالْمَنَافِعِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَالْمَصَالِحِ الْمُخْتَلِفَةِ، يَقُولُ تَعَالَى:(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
انْظُرُوا كَيْفَ يُعَبِّرُ الْقُرْآنُ عَنْ صُورَةِ شُكْرِ آلِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ بِأَنَّهُمْ تَرْجَمُوا ذَلِكَ الشُّكْرَ لِرَبِّهِمْ بِالأَعْمَالِ النَّافِعَةِ الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا؛ يَقُولُ تَعَالَى:(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، فَهَذِهِ عِمَارَةٌ لِلأَرْضِ لا لأَجْـلِ الْعُلُوِّ وَالإِفْسَادِ فِيهَا، بَلْ لأَجْـلِ التَّوَصُّلِ بِهَا إِلَى خِدْمَةِ دِينِ اللهِ، وَتَمْـكِينِ شِرْعَتِهِ، وَتَنْفِيذِ أَمْرِهِ، فَلِذَلِكَ نَالَتْ مِنَ اللهِ تَعَالَى شَرَفًا فِي كِتَابِهِ تُتْـلَى مَا بَقِيَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ، وَمِنْ خِلالِهَا يُقَدِّمُ لَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ صُورَةً مُجْمَلَةً لإِنْتَاجِ ذَلِكَ الْمُجْـتَمَعِ الَّذِي يَسُوسُهُ هذانِ النَّبِيَّانِ الْكَرِيمَانِ، إِنَّهُ مُجتَمَعٌ سَخَّرَ أَفْرَادُهُ مَا هَيَّأَهُ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ مَوَادَّ طَبِيعِيَّةٍ وَظَّفُوهَا فِي هَنْدَسَةِ الْحَدِيدِ وَالصُّلْبِ وَالْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لَقَدْ رَسَمَ لَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَيْضًا صُورَةً مُشْرِقَةً لِلإِنْتَاجِ الزِّرَاعِيِّ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّ اللهِ يُوْسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكَيْفَ أَنَّهُ جَعَلَ الزُّرَّاعَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً يَتَضَاعَفُ مَعَهُ الإِنْتَاجُ الزِّرَاعِيُّ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، وَأَنْ يَدُلَّهُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ مُحْكَمَةٍ لِلتَّخْزِينِ، حَتَّى اسْـتَطَاعَ بِذَلِكَ أَنْ يَتَجَاوَزَ مِحْنَةَ السَّنَوَاتِ السَّبْعِ الْعِجَافِ الَّتِي مَرَّتْ بِعَهْدِهِ الْكَرِيمِ، وَأَنْ يُوَزِّعَ الْفَائِضَ عَلَى أَهْـلِ الْبَادِيَةِ بَعْدَ أَنْ أَغْنَى أَهْـلَ الْحَاضِرَةِ، وَقَدْ عَرَضَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ خُطَّةَ ذَلِكُمُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِهِ:(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ). أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الْكِرَامُ:
لَقَدْ كان لِلْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَسْواقٌ مَعْروفةٌ يَعْرِضُونَ فيهَا مُنْتَجَاتِهِمُ الصِّنَاعِيَّةَ وَالزِّرَاعِيَّةَ وَالْحَيَوَانِيَّةَ وَأَنْوَاعَ مَوَادِّ الْبِنَاءِ الْمُخْتَلِفَةَ، وَمَا يَحْـتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَعِيشَتِهِمُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِمَّا يَقُومُ عَلَى حِرَفٍ وَمِهَنٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَلأَهْـلِ مَكَّةَ رِحْـلَتَانِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، يَمْـتَارُونَ فِيهِمَا وَيَتَّجِرُونَ، وَبَدَأَ نَبِيُّنَا (صلى الله عليه وسلم) حَياتَهُ رَاعِيًا ثُمَّ تَدَرَّجَ فِي التِّجَارَةِ، وَعُرِفَ بَيْنَ النَّاسِ بِالصَّادِقِ الأَمِينِ، وَبِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ كَانَ يُوْصِي فَيَقُولُ:(التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ)، فَالصِّدْقُ وَالأمَانَةُ هُمَا طَرِيقَا الإِنْتَاجِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مَعْـقُودَةٌ بِهِمَا كَمَا أَخَبَرَ (صلى الله عليه وسلم) بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:(الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)، وَلَقَدْ تَنَامَى الإِنْتَاجُ فِي عَهْدِهِ (صلى الله عليه وسلم) بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَتَنَامِيهِ تُؤَكِّدُهُ وَقَائِعُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَمَوَاقِفُ مُخْتَلِفَةٌ، دَلَّتْ عَلَى اهْـتِمَامِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) وَصَحَابَتِهِ الْكِرَامِ بِأَنْ يَكُونَ مُجْـتَمَعُهُمْ مُجْـتَمَعًا مُنْتِجًا فَاعِلاً مُؤَثِّرًا، لَهُ قُوَّتُهُ الاقْتِصَادِيَّةُ، مِثْلَمَا تُسَاعِدُهُ عَلَى الصُّمُودِ الْقُوَّةُ الْعَسْكَرِيَّةُ الْمُتَنَامِيَةُ، مُنْذُ وُصُولِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاسْعَوْا إِلَى تَحْـقِيقِ الإِنْتَاجِ الْمُبَارَكِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي تُزَاوِلُونَهَا مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ زِرَاعَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الأَعْمَالِ، سَوَاءً مَا كَانَ مِنْهَا ذِهْـنِيًّا أَمْ بَدَنِيًّا، اسْعَوْا إِلَى فَضْـلِ اللهِ وَابْـتِغَاءِ أَبْوَابِ الرِّزْقِ الْحَلالِ الطَّيِّبِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ فِي رَبِّكُمْ يَؤُتِكُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَثَوابًا عَظِيمًا فِي الآخِرَةِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الْحَمْدُ للهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ دِينَكُمُ الإِسْلامَ يَحُثُّكُمْ عَلَى أَنْ تَكُونُوا مُنْتِجِينَ فِي كُلِّ مَنَاحِي الْحَيَاةِ، الَّتِي بِهَا تَزْدَادُونَ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ، يَقُولُ الْحَقُّ تَعَالَى:(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ..)، فَكُلُّ مَا يُكْسِبُ مُجْـتَمَعَ الْمُسْلِمِينَ قُوَّةً وَعِزَّةً وَتَمْـكِينًا فَعَلَى الْمُسْـلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا حِريصِينَ عَلَى طَلَبِهِ وَتَحْـقِيقِهِ، وَفِي الْجَانِبِ الْمُقَابِلِ فَكُلُّ مَا يُثَبِّطُ الْعَزَائِمَ، وَيَكُونُ حَائِلاً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَعِزَّتِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ فَإِنَّ عَلَيهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا عَلى إِزَالَتِهِ مِنْ طَرِيقِهِمْ، وَقَدْ أَجْمَلَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الإِشَارَةَ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ:(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ـ وَرَاعُوا وَصَايَا اللهِ تَعَالَى وَوَصَايَا رَسُولِهِ (صلى الله عليه وسلم)، كُونُوا لِدِينِ اللهِ مُنَاصِرِينَ، وَانطَلِقُوا فِي أَرْضِ اللهِ مُعَمِّرِينَ:(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
المصدر: اخبار جريدة الوطن