أن تصل جائحة كورونا “كوفيد 19″ إلى بلادنا فهذا أمر ليس مثيرًا للدهشة؛ لكون بلادنا ليست معزولة أو استثناء عن باقي دول العالم، وبالتالي وصول الوباء للأسباب التي يعلمها الجميع لا تختلف عن غيرها من الأسباب التي أدت إلى وصوله إلى دول العالم الأخرى، لكن أن يواصل منحنى الإصابات المسجلة الارتفاع في الوقت الذي كانت فيه تشير معظم التحليلات والتوقعات إلى انحساره فهذا هو الأمر المثير للدهشة والنظر، بل ومثير للقلق والإزعاج.
فقد قفزت الإصابات من العشرات إلى المئات بصورة لافتة، وأخذت المئات بدورها تواصل الارتفاع المخيف، حيث أخذنا نقترب من تسجيل ألف إصابة يوميًّا، الأمر الذي يعكس المزيد من المخاوف والقلق، ويؤكد أن ثمة عوامل وأسبابًا لم تؤخذ في الاعتبار من قبل بعض أفراد شرائح المجتمع والمقيمين، وأن هناك ما يمكن وصفه بعدم المبالاة والاستهتار والتهاون لا يزال هو المتحكم والمتسبب الأكبر في تفشي الوباء بهذه الصورة المفزعة.
إن ما يحصل اليوم من توسع لدائرة انتشار فيروس كورونا ينقلنا من حالة القلق إلى حالة الخوف، بحيث أصبح كل مواطن ومقيم في دائرة الخطر ووصول العدوى إليه، وخصوصًا هنا أولئك الذين أخذوا على عاتقهم ما صدر عن اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19″ من قرارات وإجراءات احترازية بكل المسؤولية، وبروح وطنية، وألزموا أنفسهم بالتقيد التام بتلك القرارات وبالنصائح والإرشادات الطبية الصادرة عن وزارة الصحة، والتزموا الحجر المنزلي، فلم يغادروها إلا للضرورة القصوى والجابرة، وهو ما يثير التساؤل: ما ذنب هؤلاء بأن يكونوا ضحية للمرض بسبب عدم مبالاة البعض واستهتارهم وتهاونهم، وعدم تقيدهم بالقرارات والإرشادات؟
هناك حالات متعددة لتفشي الوباء، حيث سُجلت مواقف تدعو للعبرة والعظة، وكفيلة لكل مستهتر ومتهاون بمراجعة ذاته، فكم من مصاب بالوباء انتقل إليه عبر مستهتر ومتهاون ثم تسبب في إصابة والديه وأبنائه، ووفاة أحد والديه ليبدأ رحلة حياة ملؤها الألم والحزن والكآبة وغير ذلك، وكم من مستهتر ومتهاون نقل الوباء إلى أفراد أسرته، وتسبب في وفاة والدته. وما يثير الأسى والألم والحزن أن هذا المستهتر والمتهاون لا يعي فداحة ما ارتكبه، ولم ينتبه إلى حجم الجريمة ومداها بتسببه في وفاة والدته التي ظلت طوال عمرها تحافظ عليه، وتخشى عليه من أي سوء أو مكروه يصيبه.
إن الذين باتوا خالين من الوعي والمسؤولية، وأصبحوا سببًا مباشرًا في الإساءة إلى غيرهم، ونقل الأحزان والآلام ومضاعفة الأعباء الاقتصادية على البلاد، مدعوون اليوم إلى مراجعة أنفسهم ومحاسبتها، والتنبه إلى أن تصرفاتهم يجب أن تتوقف وتختفي، وأن تحل محلها تصرفات وسلوكيات تعكس المسؤولية والوعي حفاظًا على سلامة الجميع، والخروج من دائرة المسؤولية الشرعية والقانونية، وما يترتب عليها من آثار ليست في مصلحته.
المصدر: اخبار جريدة الوطن