النتائج التي تمخضت عنها لقاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيرجي لافروف وزير الخارجية مع ضيفهما جون كيري وزير الخارجية الأميركي حول الوضع في سوريا، والتي أفصح عن بعضها وزيرا الخارجية الروسي والأميركي، لا يمكن أن تشكل نقطة تحول في مسار الأزمة نحو الحل السياسي، حيث تحدث كيري عن ما أسماها “إجراءات ملموسة لا تستند إلى الثقة”، وإنما “تحدد مسؤوليات معينة على جميع أطراف النزاع الالتزام بها”.
ويبدو أن هذه “الإجراءات الملموسة” التي تحدث عنها كيري ويرفض الكشف عنها لكونها من نتائج “العمل في الظل” ـ كما قال ـ لا تخرج عن السياقات السابقة، ولا عن السلوك الأميركي الثابت المبني على المراوغة وعدم الجدية وعدم المصداقية. فقد ارتبط السلوك الأميركي وتحركات المسؤولين الأميركيين حيال الأزمة السورية بالواقع الميداني، فهم لا يتحركون ولا يبدون مرونةً في محطة، وتشددًا في محطة أخرى، إلا إذا كان الميدان يتجه اتجاهًا لا يخدم المشروع الصهيو ـ أميركي في سوريا، وقبل ذلك لا يُمكِّن الإرهاب وتنظيماته من مواصلة مؤامرة تدمير سوريا. ومن ينظر إلى خريطة الميدان السوري سيجد أنها تميل لصالح الجيش العربي السوري وحلفائه الذين يوالون سحق التنظيمات الإرهابية في جبهات القتال، وبخاصة في مدينة حلب التي تعد المفصل الأهم ونقطة التحول بالنسبة لمن يكسب معركتها.
ومن الواضح أن إدارة الرئيس باراك أوباما تبحث عن أمرين تريد تحقيقهما من هذه اللقاءات التي قام بها جون كيري مع القيادة الروسية، وبالتالي بات ـ في التقدير ـ أن الإدارة الأميركية الديمقراطية ما تبحث عنه الآن هو الحصول على انتصار ـ ولو بسيطًا ـ لكي تسوقه للرأي العام الأميركي في إطار السباق الرئاسي المحتدم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتسجيل نقاط لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. الأمر الأول هو عرقلة تحرك الجيش العربي السوري وحلفائه بادعاء واشنطن أنها حريصة على الهدنة وتثبيت وقف إطلاق النار، وهذا الأمر ـ كما في كل مرة ـ لا يتحدث عنه الأميركيون ولا يصرون عليه إلا إذا كانت هناك انهيارات متلاحقة في صفوف التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها ما تسمى “جبهة النصرة” والتنظيمات المصنفة أميركيًّا بـ”المعتدلة” والمنضوية تحت راية “النصرة” وتقاتل أساسًا معها. ولا يخفى أن ثمة قضمًا متدحرجًا ينجزه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في أرياف حلب واللاذقية ودمشق والغوطة. بدليل أن كيري أكد أن الهدف الآن هو وقف ما وصفه بـ”القصف الأعمى” الذي يقوم به الجيش العربي السوري وحلفاؤه ضد التنظيمات الإرهابية انطلاقًا من واجبه الشرعي والوطني والقانوني نحو الذود عن تراب سوريا وحماية شعبها. أما الأمر الثاني فهو إعلان كيري تكثيف الجهود مع موسكو لمحاربة تنظيمي “داعش والنصرة”، وهذا الأمر فيه نوع من المقايضة؛ ضرب مواقع تمركز “داعش والنصرة” مقابل استثناء ما تصفه واشنطن “معارضة معتدلة” مثل ما يسمى “أحرار الشام وجيش الإسلام والجيش الحر” وغيرها. فهنا تريد الإدارة الأميركية الديمقراطية أن تحقق إنجازًا مهمًّا في سوريا بمحاولة التسويق بأنها تحارب الإرهاب باستهداف “داعش والنصرة”، وتدعم مقابل ذلك “المعارضة المعتدلة”، وتعمل على وضع الأزمة على سكة الحل السياسي، وإحضار جميع الأفرقاء إلى طاولة المفاوضات مجددًا في مؤتمر جنيف.
يبقى أن ما تمخضت عنه اللقاءات الروسية ـ الأميركية في موسكو محكوم بمصداقية واشنطن وجديتها رغم تأكيد كيري أن “الإجراءات الملموسة لا تستند إلى الثقة”.