كلما طال الضغط على الفلسطينيين وتجاهل حقوقهم المشروعة، ازداد المحتلون الإسرائيليون تطرفًا وعنفًا، وطوروا تطرفهم إلى أشكال متعددة من الإرهاب المنظم، وإلى جرائم ضد الإنسانية جرائم حرب.
وفي تحرك عدواني جديد يثير استفزاز الفلسطينيين عمدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى تخفيض إمدادات قطاع غزة بالكهرباء، وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في اجتماعها مساء الأحد الماضي تخفيض إمدادها اليومي من الكهرباء لغزة بمعدل 45 دقيقة يوميًّا، بينما كان سكان القطاع يحصلون قبل ذلك يوميًّا على ثلاث أو أربع ساعات من التيار الكهربائي في أفضل الأحوال.
وأمام هذا التصعيد والاستفزاز بدا المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي كمن يلقي بالقنبلة ويفجرها في المستهدفين ثم يتهم غيره بمسؤوليتها، فقد أنحى بمسؤولية هذا التصعيد إلى السلطة الفلسطينية، زاعمًا أن كيانه المحتل “غير معني بالتصعيد، وكل تفسير آخر هو عبارة عن تفسير خاطئ”، وأن هذه القضية “تشكل موضوعًا للجدال بين السلطة الفلسطينية وحماس. حماس تطالب السلطة الفلسطينية بتمويل الكهرباء والسلطة ترفض أن تدفع تلك التكاليف” معتبرًا الأمر “جدال فلسطيني داخلي”.
من الواضح من خلال هذا الموقف أن نتنياهو أراد أن يعمق الشرخ بين السلطة وحماس أو بالأحرى بين السلطة وقطاع غزة، ويضع مزيدًا من الملح على جراح الانقسام، وأن المتسبب فيه السلطة وليس حكومته، وبالتالي يغسل يديه من هذه الجريمة بحق الإنسانية التي تطول ما يقارب مليوني فلسطيني داخل القطاع المحاصر. ما قد يهدد غزة بكارثة إنسانية إن استمر قطع إمدادات الكهرباء، ذلك أن المستشفيات وحافظات الأدوية ستتضرر، فضلًا عن احتمال اعتماد قطاع غزة على التخلص من مياه الصرف الصحي عبر المضخات المشغلة بالكهرباء.
اللافت أن هذا التصعيد جاء متزامنًا مع طلب أميركي من السلطة الفلسطينية مفاده بعدم صرف تعويضات لأسر من يستشهدون في مقاومتهم الاحتلال والظلم والجرائم التي يمارسها صباح مساء جيش الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين المتطرفين، حيث اعتبرت إدارة الرئيس دونالد ترامب أن ما يقوم به هؤلاء الفلسطينيون واحدة من العقبات الكثيرة التي تعترض عملية السلام في الشرق الأوسط. وخلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قال ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي إن الفلسطينيين “عدّلوا سياستهم، أقلّه لقد تم إبلاغي أنهم غيّروا هذه السياسة”.
إن هذا التصعيد الإسرائيلي بحق الفلسطينيين ولا سيما قطاع غزة يؤكد الحقيقة التي اكتملت أركانها وهي أن القضية الفلسطينية تقترب من تحول تاريخي هو الأخطر منذ اغتصاب أرض فلسطين وإقامة كيان الاحتلال الإسرائيلي على أنقاضها، ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية، وفي الجانب الآخر تقف عند منعطف تاريخي، أهم معالمه هو انكشاف موقف الولايات المتحدة وتعريته، ذلك الموقف المزدوج بين التظاهر بالتوسط لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبين دعم كيان الاحتلال الإسرائيلي على طول الخط عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وعلى كافة المستويات. وبالتالي فإن هذا التصعيد يعزز ما يدور في الأوساط الإعلامية المختلفة عن إمكانية قيام الاحتلال الإسرائيلي بشن عدوان جديد على قطاع غزة يهدف إلى تصفية المقاومة الفلسطينية استغلالًا للوضع العربي المتضعضع. لذا على الفلسطينيين جميعًا أن يقدروا هذه اللحظة التاريخية الفارقة بين أن يحموا حقوقهم ويستعيدوا ما اغتصب، وبين أن يضيعوا كل حقوقهم.
المصدر: اخبار جريدة الوطن