لا تزال القضية الفلسطينية هي ترمومتر الأحداث الساخنة التي تشهدها المنطقة، ويبدو من أقدار هذه القضية العادلة ومن أقدار الشعب الفلسطيني أن يظلا على الدوام بين مطرقة الممارسات والانتهاكات وسياسة الاستيطان الإسرائيلية، وسندان التسويف والوعود الجوفاء والحل المعلق والمماطلة من قبل ما يسمى المجتمع الدولي أو بالأحرى القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وما من شك أن سونامي الإرهاب الذي يجري إخضاع رقبة المنطقة تحت سواطيره في إطار مؤامرة “الربيع العربي” الطرف الأصيل ـ الواقف وراءه بكل ما أوتي من قوة في التآمر والتحريض والتأليب والدسائس، وقدرة على صناعة العملاء والوكلاء وأدوات الإجرام ـ هو كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي أثبتت كل الأحداث السابقة واللاحقة منذ ما عرف باتفاقيات أوسلو أن هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب ليس في وارد الشراكة الحقيقية في صنع السلام في المنطقة، بل إنه لم يقدم يومًا ما يثبت ذلك، وإنما يثبت كل يوم أنه ذاهب إلى ما لا نهاية من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق مشروعه التلمودي المسمى دولة “إسرائيل اليهودية” وعاصمتها الأبدية القدس المحتلة، ولم يكن اليوم مسنودًا من حليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة وحدها، وإنما أصبح مسنودًا من قبل أكثر من طرف يتخذون مسميات عدة بين الوكيل والعميل والأداة على النحو الذي باتت المنطقة تئن تحت سواطيرهم ورماحهم المسمومة الغادرة وأموالهم المشبوهة وأياديهم الملطخة بدماء الأبرياء من أبناء المنطقة، لمصلحة أعداء المنطقة وفي مقدمتهم كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي تسير خطط التآمر وتنفيذها وفق ما خطط ويخطط ليبقى القوة التي لا تقهر تدمي وتدمر وتمزق وتفتت دول المنطقة وتبيد شعوبها.
وكلما عنَّ للفلسطينيين تحرك أو خطوة ما لإخراج قضيتهم من بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي وسندان المنافقين والممالئين والموالين والمتعاونين مع الاحتلال، خرج المبتدعون ببدعهم، وانبرى المنافقون يقذفون أحجارهم في مياه نفاقهم الآسنة لإبقاء الفلسطينيين في الوضع الذي أراده المنافقون المبتدعون، والذي تتعدد واجهاته تارة باسم المفاوضات وتارة أخرى بعدم وجود شريك فلسطيني.
اليوم وبعد تسعة أشهر من مفاوضات عبثية عقيمة أرادوها أن تكون سفاحًا لاغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، يعودون لعهدهم القديم محاولين إلباسه ثوبًا جديدًا بالحديث عن أن “الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، وأن الوضع ملح”، وهي محاولة بائسة لقطع الطريق على تحرك الفلسطينيين باتجاه مجلس الأمن الدولي بتقديم مشروع قرار للمجلس بتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال وفق حدود عام 1967.
وفي الوقت الذي صار فيه استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو ضد مشروع القرار بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بحكم المؤكد، تطلق يد قطعان المستوطنين لتدنيس المسجد الأقصى واستباحة الحرم القدسي، بالتزامن مع عزم الكنيست على استصدار قانون بتقسيم المسجد زمنيًّا ومكانيًّا، ما يعني استكمال مشروع تهويد القدس واستعمارها بصورة تامة، وبالتالي لا يمكن تفسير محاولات التعطيل والعرقلة للفلسطينيين من التوجه إلى مجلس الأمن والتلويح باستخدام حق الفيتو، والعودة إلى اللهجة الممجوجة بإعادة التفاوض أو التقول بأن الحل عبر التفاوض، إلا بأنه محاولة لإعطاء كيان الاحتلال الإسرائيلي مزيدًا من الوقت لإنجاز مشروع تهويد القدس واستعمارها، بالتزامن مع ما يجري من إرهاب يستهدف المنطقة هو لصالح هذا المشروع الاستعماري التآمري.