بعد ثلاثين يومًا من العدوان الإجرامي الإسرائيلي على غزة، ومجازره ضد الفلسطينيين، وخاصة الأطفال والنساء والمسنين، لا يزال مدَّعو “الحرية” ومدَّعو “حماية حقوق الإنسان والديمقراطية”، غير راغبين في الاعتراف الكامل وتسمية الأشياء بمسمياتها، والإشارة إلى المجرمين الإرهابيين الحقيقيين قتلة الأطفال والنساء والمسنين الفلسطينيين، وتجريمهم وإدانتهم بصورة مباشرة.
فمن المخزي والمثير للسخط أن يحاول أولئك المدَّعون التلطي خلف مصطلحات والتخفي وراء كلمات للتنصل من واجباتهم الأخلاقية والإنسانية ـ إن كانوا يؤمنون حقًّا بالقيم والمبادئ الأخلاقية، وتمثل الإنسانية لديهم قيمة ومكانة، ويؤمنون أن الحياة حق للجميع وليست استثناء لأحد من البشر دون الآخرين.
نعم التعبير عن رفض جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وخصوصًا من قبل القوى الحليفة والداعمة للاحتلال الإسرائيلي وآلة الحرب والإرهاب الإسرائيلية، هو تعبير مطلوب في الوقت الذي تواصل فيه آلة الحرب والإرهاب فعلها في إبادة الإنسان الفلسطيني، وفي الوقت الذي يصر فيه مجرمو الحرب الإسرائيليون على مواصلة جرائم الإبادة، إلا أنه مطلوب إدانة الجرائم وتسمية مجرم الحرب الإسرائيلي باسمه والتشنيع على فعلته في معرض الحديث والتصريح حول جرائمه، هو ما يعطي الموقف مصداقيته، ويبيض صفحة مطلقيه، ويجعله يعبر عن رفض صريح لاستهداف الأطفال والنساء والمسنين الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين يتم إبادتهم دون ذنب ارتكبوه.
إن المصداقية والضمائر الحية والأصوات الصادحة بالحق والرافضة للإرهاب الإسرائيلي صحيح أنها لن تعيد الحياة ولن تعيد الأرواح المزهوقة والدماء البريئة المسفوكة ظلمًا وعدوانًا، غير أن حضورها من شأنه أن يمثل مقدمة لوقف آلة الحرب والإرهاب الإسرائيلية، وردع مجرمي الحرب الإسرائيليين، واحترام حق الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية، ولذلك بدت ردود الفعل من قبل حلفاء كيان الاحتلال الإسرائيلي على المذابح والمجازر بحق الأطفال والنساء وكبار السن، واستهداف المدارس التابعة للأمم المتحدة والمستشفيات العامة ومستشفيات الأطفال والمساجد والمنازل ونسفها على رؤوس ساكنيها، بدت ذرًّا للرماد في العيون، حيث رفض هؤلاء الحلفاء ـ في معرض إبداء رد فعلهم ـ التصريح باسم كيان الاحتلال الإسرائيلي وإدانته بالمسؤولية عن الجرائم في غزة. وما يثير السخرية أنه حين سئل أحد الحلفاء الاستراتيجيين لكيان الاحتلال الإسرائيلي ما إذا كان القصف الإسرائيلي على المدرسة التابعة للأمم المتحدة والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى رد قائلًا: “لست قانونيًّا متخصصًا في القانون الدولي وأترك هذا النقاش للقانونيين المتخصصين”. فإلى متى سيستمر صانعو وداعمو هذا الكيان في التهرب من مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية بل والقانونية، والانحياز الأعمى إلى هذا الكيان الغاصب والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني التي تقرها كافة الشرائع السماوية والوضعية.