بإعلان حركتي فتح وحماس عن الاتفاق على إنهاء الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني، يمكن القول إن الحركتين وضعتا قدمًا أولى على طريق الوحدة الوطنية المفقودة منذ زمن التي تعد بمثابة العمود الفقري للقضية الفلسطينية.
وما من شك أن هذه القضية ـ في ظل الراهن العربي الملوث بالفوضى والإرهاب والتدخلات الخارجية الأجنبية للقوى الاستعمارية الغربية في الشؤون الداخلية للدول العربية ـ آخذة في طريق التآكل الكلي جراء انقسام الفلسطينيين على أنفسهم، وتنمر المحتل الإسرائيلي على الحق الفلسطيني بمعاونة فاضحة من قبل الحلفاء الاستراتيجيين لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك جراء انفراط عقد التضامن العربي معهم بالحد الأدنى.
وفي إطار هذا التراجع والتآكل للقضية الفلسطينية، يعد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه أمس في قطاع غزة بين وفدي فتح وحماس، طوق نجاة من الوقوع في الشراك التي ظل الاحتلال الإسرائيلي ومن معه من الحلفاء والعملاء يعمل على نسجها بهدف إيقاع الفلسطينيين فيها، حيث ركز الاتفاق على الملفات المهمة والحساسة والتي كانت بين شد وجذب وعائقًا أمام المصالحة، ومن بين هذه الملفات الاتفاق على أن يبدأ الرئيس محمود عباس مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني بالتوافق ابتداء من تاريخ توقيع الاتفاق (أمس) وإعلانها خلال الفترة القانونية المحددة وهي خلال خمسة أسابيع استنادًا لاتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، والتأكيد على تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني ويخول الرئيس لتحديد موعد الانتخابات بالتشاور مع القوى والفعاليات الوطنية على أن يتم إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة على الأقل وتتم مناقشة ذلك في لجنة تفعيل منظمة التحرير في اجتماعها القادم وإنجاز مقتضيات الانتخابات المذكورة، والاتفاق على عقد لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية لممارسة مهامها المنصوص عليها في الاتفاقات في غضون خمسة أسابيع من تاريخ التوقيع، والاستئناف الفوري بعمل لجنة المصالحة الاجتماعية استنادًا إلى ما تم الاتفاق عليه في القاهرة.
ومثلما يشكل هذا الاتفاق منصة متقدمة للانطلاق نحو عودة رص الصفوف ووحدة الكلمة والمصير وإعادة الألق للقضية وفرض عدالتها في أروقة المنظمات الدولية، وكذلك منصة متقدمة في مواجهة التنمر الإسرائيلي وإيقاف آلة الاستيطان القاضمة لما تبقى من الأرض الفلسطينية، وإيقاف قطار التهويد والتدنيس، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يشكل انتكاسة حقيقية في حال ـ لا سمح الله ـ لقي مصير أشقائه من الاتفاقات السابقة كاتفاق القاهرة واتفاق الدوحة واتفاق مكة، وبالتالي يصبح هذا الاتفاق بجانب أشقائه جزءًا من ماضٍ مؤلم تتكدس مآسيه على رؤوس الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره، ماضٍ طغت عليه تراجعات كبيرة إزاء حضور القضية الفلسطينية على المستوى الدولي شكلًا وموضوعًا، وتقهقر العامل الذاتي الفلسطيني بانقسام الفلسطينيين على أنفسهم، وكذلك فك الارتباط الرسمي العربي بالقضية الفلسطينية، التي كانت تعد أحد القواسم المشتركة للمحافظة على الحد الأدنى من التضامن العربي في قرارات القمم العربية، والأنشطة الدبلوماسية العربية في المحافل الإقليمية والدولية. والخطورة تكمن أيضًا في أن الإخفاق في تنفيذ هذا الاتفاق بسبب الرضوخ للضغوط الصهيو ـ غربية. لذلك نشد على أيدي الموقعين والمؤيدين لهذا الاتفاق أن يوفوا بما تعهدوا به فهو دين في أعناقهم، وأن يكونوا عند حسن ظن الشعب الفلسطيني بهم، وأن لا يخطفوا منه فرحته بإفشال هذا الاتفاق فيرتد عليهم حسرة وردة فعل غير محسوبة، وكما كانوا في الماضي لا تخيفهم وسائل الترهيب يجب أن يكونوا كذلك.