تتعدد أشكال العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وأفق العدوان يشير إلى أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في مشروعه العدواني حتى إتمام ما يخبئه في جعبته من مشاريع تآمرية لتصفية القضية الفلسطينية، وكلما لاح له في طريق مشاريعه التآمرية ما يمكن أن يعرقل ضاعف غلة أحقاده وعدوانه قاذفًا بها من كل اتجاه الشعب الفلسطيني بمدنييه وسلطته وفصائل مقاومته. فقد جرت العادة أن كيان الاحتلال الإسرائيلي لا يلجأ إلى مضاعفة عدوانه وجرائم حربه وإرهابه ضد الفلسطينيين إلا إذا كان هناك ما سيعطل مخططاته ومشاريعه التآمرية التدميرية.
واليوم ليس ثمة ما يؤرق المحتلين الإسرائيليين أكثر من انتهاء الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني وعودة وحدة الصف والموقف والكلمة للفلسطينيين حول قضيتهم العادلة ومستقبلها ومشروعهم الوطني التحرري، والتحرك نحو وضع حد لإنهاء الاحتلال مدعومين في ذلك بقوة الحق والشرعية الدولية والقرارات الدولية ذات الصلة والصادرة من أعلى هيئة شرعية في العالم وهي الأمم المتحدة، فقد أثبتت المصالحة التي تمت بين حركتي فتح وحماس واتفاق الطرفين على صيغة للسلطة الوطنية وتشكيل حكومة توافق أن ثمة ثوابت وقواسم مشتركة تجمع بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وانتفاء ما يفرق ويشتت، وأن شؤون وشجون الساحة الفلسطينية من شأنها أن تجمع الفلسطينيين حول الهمِّ الكبير الذي يواجهونه. ولذلك فإن الذي يؤرق العدو الإسرائيلي في ضوء هذا التوافق إنما يدور حول حجم الثبات في الموقف والاستعداد والقدرة على الصمود والحفاظ على نواة الوحدة والتوافق هذه، وهل هناك من سبيل إلى مؤامرة عدوانية إرهابية يمكن أن تقتل هذه النواة وتكون أكبر من تلك المؤامرة العدوانية الإرهابية على قطاع غزة؟ وما من شك أن هذا الأرق يتضاعف أكثر كلما ازدادت مداميك الوحدة والتوافق إلى حد التراص والانسجام الكامل في وحدة الموقف والكلمة والصف ليس بين حركتي فتح وحماس فحسب، وإنما بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني وأطيافه.
لقد كان وصول رامي الحمد الله رئيس حكومة التوافق الوطني ووزراء حكومته إلى قطاع غزة أمس الأول وعقد أول اجتماع للحكومة بالقطاع بمنزل الرئيس محمود عباس، رسالة واضحة إن لم تكن صفعة في وجه العدو الإسرائيلي المتربص بهذه الحكومة والساعي بكل ما أوتي من قوة إلى إفشالها. فالزيارة تعد الأولى من نوعها منذ تشكيل حكومة التوافق في الثاني من يونيو الماضي، حيث ركزت في جدول اجتماعها بالقطاع على إعادة إعمار غزة وتنسيق المواقف قبل انعقاد مؤتمر الإعمار المزمع غدًا الأحد في القاهرة. وكان الحمدالله فور وصوله والوفد الحكومي إلى قطاع غزة عقد مؤتمرًا صحفيًّا وعد فيه بالعمل على “إغاثة قطاع غزة بشكل عاجل، وفق خطة وطنية اقتصادية لتحقيق التنمية الشاملة”.
من المؤكد أن الأوساط الصهيونية ـ التي يتضح الآن أنها بذلت من الجهد التآمري الخارجي الكثير لتصنيع جيوش المرتزقة والإرهابيين واستثمارها في إثارة الفتن ونشر الفوضى في المنطقة ـ تشعر بقلق وأرق مزمنين مزعجين أن تكتفي بمتابعة هذه التحركات الفلسطينية لحكومة التوافق والتي يمكن اعتبارها مكملة وداعمة لخطوة الرئيس محمود عباس بنقل ملف الاحتلال إلى مجلس الأمن الدولي وإنهاء الاحتلال وفق حدود عام 1967 ووفق قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة.
ومهما يكن من أمر، يبقى على الفلسطينيين مواصلة ما بدأوه وألا يسمحوا لعدوهم باختراق صفهم مجددًا وتمزيق وحدتهم وموقفهم وإرجاعهم إلى المربع الأول، خاصة وأنهم يرون أن الوضع العربي والإقليمي لا يسير في صالحهم، بل العكس تمامًا، إذ يسير باتجاه تصفية قضيتهم العادلة.