يبدو أن الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى سوريا لم يعد يطيق المكوث في الزاوية التي وضع نفسه فيها ومحاولة إظهار نفسه أنه الوسيط المحايد في المفاوضات بين الحكومة السورية ومع معسكر المؤامرة ـ أي “معارضة” الخارج ـ. فما ساقه الإبراهيمي من اتهامات ضد سوريا خلال إطلاعه مجلس الأمن الدولي على نتائج مهمته بأنها تلجأ إلى “مناورات تسويفية” لتأخير المفاوضات مع ما اصطلح عليها “معارضة” واعتراضه على ترشح الرئيس السوري بشار الأسد في الانتخابات القادمة، إنما أراد الوسيط الأممي بذلك أن يخرج ذاته من الزاوية إلى دائرة الأضواء باحثًا عن دور أكبر من مسؤوليته، أو هو يتوهم أنه حين ينحاز إلى أطراف معسكر المؤامرة على سوريا ويتبنى مواقفهم وترهاتهم سيعطيه ذلك قدرة على المناورة وهامشًا في ممارسة أدوار ضاغطة على الحكومة السورية، يمكن أن يدخل بها التاريخ، متناسيًا أنه غارق من أخمص رجليه وحتى أعلى رأسه بانحيازه المكشوف الذي حاول سابقًا مداراته، ومحاولًا أيضًا التظاهر بأن عجلاته ليست غارزة في مستنقع المتآمرين، غير آبه بجهود الطرف الآخر في الحكومة السورية في العمل على مساعدته وإخراجه من هذا المستنقع الآسن ومساعدته في الحفاظ على تاريخه السياسي والدبلوماسي.
المشكلة أن الأخضر الإبراهيمي لا يريد أن يستفيد من الظروف والأدوار التي واكبت مهمة سلفه كوفي أنان والتي أدت إلى فشلها، وبالتالي احتراقه سياسيًّا ودبلوماسيًّا، فأنان ـ كما يبدو ـ من التصريحات التي يعلنها بين الحين والآخر بتحميله المسؤولية الأطراف المتآمرة على سوريا والداعمة للإرهاب عن إفشال مهمته، يريد إرسال نصائح لخليفته الإبراهيمي بأن لا يقع في المطب ذاته، والقول له: “عليك أن تسارع إلى إنقاذ تاريخك وحفظ ماء وجهك قبل أن يريقه المتآمرون الذين أراقوا ماء وجهي وأحرقوا تاريخي السياسي والدبلوماسي”. فواضح أن أنان تنتابه مشاعر مختلطة وآلام كبيرة جراء قبوله المهمة قبل التفكير عميقًا في ظروفها ومآلاتها، ويلوم ذاته على عدم المسارعة إلى وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها وإعلان الأطراف الداعمة للإرهاب والمعرقلة لمهمته. والإبراهيمي أيضًا لا يريد أن يستفيد من الأسباب التي أدت إلى تساقط رؤوس انغمست في المؤامرة على سوريا وتلطخت أياديها بدماء الشعب السوري ويأخذ من سقوطها العبرة والموعظة.
إن خوض الانتخابات والتنافس فيها حق لكل مواطن سوري غيور على سوريا ولم تتلطخ يداه بدماء الأبرياء السوريين ولم يجعل من الإرهاب نهجًا وممارسة، ولم يحمل أسلحة إرهابه وكرهه وحقده على وطنه وعلى أبنائه، فالرئيس بشار الأسد وغيره ممن حملوا لواء وطنهم سوريا ودافعوا عنها وعن شعبها يحق لهم خوض الانتخابات التي هي شأن داخلي سوري ولا يحق لأحد التدخل فيه لكونهم مواطنين سوريين، ولذلك على الإبراهيمي أن يفرق بين معارضة وطنية شريفة لم تمارس الإرهاب والعنف ولم تتسول التدخل العسكري الأجنبي ويتم تهميشها وتجاهلها، وبين معارضة تعلمت وتدربت في دهاليز استخبارات الدول الغربية الاستعمارية الامبريالية وعاشت في فنادقها الفخمة ومارست وتمارس الإرهاب والعمالة وتتسول التدخلات العسكرية الخارجية وتبحث عن مبررات لها ويتم الدفع بها في أتون المؤامرة.
إن سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً قدمت تضحيات كبيرة وكثيرة جدًّا في سبيل دفع المؤامرة وردع الإرهاب والمتآمرين، وبالتالي محاولة الدفع بمن مارس الإرهاب ضدها (سوريا) وظل أداة بيد المتآمرين عليها، وإظهارهم بأنهم “معارضة” ففي هذا الأمر إهانة لتلك التضحيات والدماء التي أريقت على مذبح الحرية، وهنا على الوسطاء أن يفكروا ويقدروا ويحسبوا كلماتهم وخطواتهم، قبل الوقوع في أخطاء فادحة أو تكرار أخطاء لا تغتفر.