جاءت الإدانة الأممية لقيام أحد جنود دولة الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ عملية إعدام إرهابية لمصاب فلسطيني، لا حول له ولا قوة، لتضيف خيبة أمل كبيرة لكل من لايزال يعول على المنظمة الأممية المختطفة والمسلوبة الإرادة، فهذا الإرهاب الإسرائيلي الواضح الموثق صوتًا وصورةً، يؤكد أن ما تقترفه دولة الاحتلال من جرائم مكتملة الأركان، يحركه سبق الإصرار والترصد، لا يكفي معه، تلك التصريحات الأممية الحنجورية على الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف التي قال فيها “أدين بشدة الإعدام التعسفي الظاهر لمهاجم فلسطيني في الخليل بالضفة الغربية”، ولا حتى إقراره أنه عمل مريع وغير أخلاقي وظالم يسهم فقط في تأجيج العنف ويجعل الوضع الحالي أكثر توترًا مما هو عليه.
إن تلك الكلمات الأممية لا يمكنها نفي التواطؤ مع دولة الاحتلال ومن يحميها، فما حدث لا يمكن وصفه بغير أنه جريمة حرب حقيقية مارستها وتمارسها دولة الاحتلال بأريحية شديدة على مدار العقود الأخيرة، متلحفة بستار من الحماية، يرفض أن تصل أي عقوبات حقيقية كالتي تطبق على كوريا الشمالية، أو حتى تلك التي كانت تطبق على إيران، رغم أن الدولتين لم يعرف عنهما أنهما مارستا الإرهاب الذي يمارسه كيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب منذ أن أنشئ على الدماء الفلسطينية.
فبعيدًا عن مذابح قانا ودير ياسين وبحر البقر، وغيرها من المذابح التي تقشعر لها الأبدان، يأتي ما فعله الإرهابي الإسرائيلي، برتبة جندي ضد شاب فلسطيني مضرج في دمائه، ليحيي لما بقي بداخلنا من عروبة ذكرى عملية اغتيال خليل الوزير الملقب بأبو جهاد في تونس عام 1988 التي نفذتها الوحدة الإرهابية الخاصة في جيش الاحتلال (سيرت همتكال) والتي كان يقودها في تلك المرحلة وزير الحرب الحالي موشيه يعلون، وتؤكد الروايات المتواترة أنه بعد إطلاق وابل من الرصاص على جسد أبو جهاد، جاء شخص بعد عدة دقائق وأطلق رصاصة على رأسه، كي يؤكد موته، وهذا الشخص قائد الوحدة الخاصة وقائد عملية تنفيذ عملية الاغتيال أنه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي الحالي موشيه يعلون.
إنه كيان يكرم القتلة ويقلدهم أبرز المناصب؛ فأرييل شارون الذي أقام الوحدة العسكرية الإرهابية (101)، التي ارتكبت العديد من المجازر، ومن أبرزها مجزرة قرية قبية، ومخطط ومرتكب مجزرة صبرا وشاتيلا. وحينما عاد ليتولى مناصب “حساسة”، وهو رئيس الوزراء الذي مارس صنوف القهر وكان بعض الإسرائيليين يستاؤون من دمويته في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنه مع ذلك بطل حقيقي عند دولة الإرهاب الإسرائيلي التي تكرم المجرمين دومًا على شاكلة شامير ورابين وداغان، بقدر ما يرتكبون من جرائم، وسط حماية أممية تكتفي فقط بالشجب والإدانة، واقتتال عربي عربي، وموقف عربي مخجل حتى لم يكلف نفسه عناء الإدانات التي اعتدنا على سماعها في مثل الحالات، لذر الرماد في العيون، مع مواصلة كيان الاحتلال الإسرائيلي لسياسة الإبعاد والترحيل بجانب القتل، عبر تمرير مشروع قانون يقضي بإبعاد عائلات منفذي العمليات، والذي صادقت عليه ما تسمى “باللجنة الوزارية لشؤون التشريع؟ في الكنيست الإسرائيلي.
وهو ما يؤكد تمسك هذا الكيان الإرهابي الغاصب بالسياسات التي تقوم على فكر الاقتلاع والتهجير، وهو فكر قام على أساسه منذ عام 1948م ، وقبلها حتى، وهي عادة إسرائيلية وسط صمت دولي، فالقوانين والقرارات التي يحاول “الكنيست” تشريعها تأتي ضمن قرار سياسي مدروس لتعزيز سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها قوات الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني، تهدف لترسيخ منظومة الاحتلال وسياساته الاستعمارية المتمثلة بالتطهير العرقي والطرد القسري، ويكتفي بالتصويت على قرارات جديدة، مثل تصويت مجلس حقوق الإنسان، على أربعة مشاريع قرار لصالح الفلسطينيين، لن تنفذ لغياب الإرادة، فجريمة الجندي الإسرائيلي لن تكون الأخيرة، فهذا الجندي سيأخذ منصبًا قياديًّا في دولة الاحتلال قريبًا، ولاتزال الأمم المتحدة تشجب وتستنكر، رغم أن هذه الجريمة جزء من الصورة اليومية الدموية التي يقترفها الاحتلال بحق أبناء فلسطين، وهو بكل تأكيد ما يستدعي الأمر تحركًا دوليًّا فوريًّا من أجل توفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني، وعدم الاكتفاء بالشجب والإدانة.