لم تكن حادثة الإسراء والمعراج مجرد حادثة في التاريخ الإسلامي وفي عهد النبوة تحديدًا، كما لم يكن الهدف منها التسرية والتخفيف عن صاحبها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فحسب، وإنما كانت بداية التشريع الإسلامي لتنظيم العلاقة بين المسلم وربه وبين المسلم ووالديه وأسرته وزوجته وأخيه وأخته وسائر أفراد مجتمعه وعامة الناس، وكانت تمثل المنطلق الحقيقي نحو بناء المجتمع المسلم المترابط المتآخي المتآلف المتراحم المتكاتف.
صحيح أن معجزة الإسراء والمعراج جاءت تعظيمًا لشأن الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكريمًا له بين الناس، وتخفيفًا عن الحزن العظيم الذي أصابه لوفاة عمه أبي طالب الذي كان ينافح عنه كفار قريش ويحول بينه وبين عداوتهم وأحقادهم وتآمرهم ضده، ولوفاة السيدة خديجة رضي الله عنها بعد ذلك، وهي التي كانت نعم الزوج والرفيق والنصير للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم رحلته إلى الطائف يلتمس التأييد والمناصرة من أهلها فلم يصادف إلا الاستهزاء من زعمائها الذين أرسلوا صغارهم وسفهاءهم ليقذفوه بالحجارة ويعتدوا عليه حتى أدموا قدميه الشريفتين، وهناك دعا ربه يشكو إليه ضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس، فجاءه جبريل عليه السلام وأخبره أن ملك الجبال يمكن أن يطبق الجبلين على الطائف وأهلها، وكان الرد الكريم الرحيم بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرجو الله أن يأتي من أصلاب هؤلاء من يؤمن بالله. إلا أن هذه المعجزة العظيمة كانت إيذانًا للرسول الكريم بالهجرة بعد ذلك إلى المدينة المنورة ليبني فيها المجتمع المسلم ثم الدولة الإسلامية على أسس العدل والمساواة بين الناس، وتنظيم العلاقة بين المسلمين وبين المسلمين وغير المسلمين، وحفظ كرامتهم والاعتراف بحقوقهم وصونها وتقبل الآخر حتى لو كان مخالفًا.
اليوم تأتي ذكرى الإسراء والمعراج وقد انفرط عقد هذه الأمة جراء تخليها عن نهجها السليم الصحيح الذي اختاره لها خالقها لتسمو بين الأمم وتنهض بها وتقودها إلى ما يحقق الحكمة الإلهية من وراء الخلق، وسلمت رسنها لأعدائها وتركت لهم الحبل على الغارب، لقيادتها واختيارهم وتنظيرهم لها ما يناسب توجهاتهم وأهدافهم الدنيئة المنافية لكل ما شرعه الله واختاره لأمة الإسلام، فتمكن منها أعداؤها الذين نجحوا في شرخ العلاقة بين أبنائها وشق صفهم وتمزيقهم إلى أشتات وملل وأعراق وطوائف ومذاهب ينحر بعضهم بعضًا ويتآمرون على بعضهم بعضًا، ويُكفِّر بعضهم بعضًا، وهذا يُخوِّن ذاك، ويتحالف مع هذا ويتآمر على ذاك، والمخزي والمحزن أن كل ذلك يُصبغ تارة بصبغة الدفاع عن العروبة، وتارة بصبغة الدفاع عن (الإسلام)؛ فأي عروبة هذه ينفي بعضها بعضًا ويعادي بعضها بعضًا تنفيذًا لإملاءات الأعداء وخدمة لأهدافهم ومصالحه؟ وأي إسلام هذا يبيح تكفير المسلمين، ويشرع قتلهم، ومحاربة بعضهم بعضًا، ويرفض التسامح والحكمة والموعظة وقبول الآخر؟
لعل المسلمين الآن في شتى أنحاء الأرض بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استلهام الموعظة من المناسبات الدينية الفريدة التي يكتنزها التاريخ الإسلامي وإحداها ذكرى الإسراء والمعراج. فالمسلمون مطالبون وخاصة علماءها بمعالجة الخلل الذي أصاب أمة الإسلام ورتق ثقوبها ومعالجة عيوبها، وتوحيد صفها وكلمتها، وتعظيم حرمة دماء أبنائها وحرمة تدمير ممتلكاتها ودولها، والالتزام بمنهج الله الذي اختاره لها وأراد عزتها وكرامتها وسيادتها به. فهل تجد أمة الإسلام في هذه الذكرى العطرة ما يجعلها مؤهلة لوقفة تبصر، وتشرع في الحوار مع الذات ومع الآخرين على أسس من الموادعة وحسن المعاملة، والتماس القضايا من زوايا تبشر ولا تنفر، وتقرب ذات البين ولا تفرق؟ نأمل ذلك.
رأي الوطن : الإسراء والمعراج ليست مجرد ذكرى
لم تكن حادثة الإسراء والمعراج مجرد حادثة في التاريخ الإسلامي وفي عهد النبوة تحديدًا، كما لم يكن الهدف منها التسرية والتخفيف عن صاحبها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فحسب، وإنما كانت بداية التشريع الإسلامي لتنظيم العلاقة بين المسلم وربه وبين المسلم ووالديه وأسرته وزوجته وأخيه وأخته وسائر أفراد مجتمعه وعامة الناس، وكانت تمثل المنطلق الحقيقي نحو بناء المجتمع المسلم المترابط المتآخي المتآلف المتراحم المتكاتف.
صحيح أن معجزة الإسراء والمعراج جاءت تعظيمًا لشأن الرسول عليه الصلاة والسلام، وتكريمًا له بين الناس، وتخفيفًا عن الحزن العظيم الذي أصابه لوفاة عمه أبي طالب الذي كان ينافح عنه كفار قريش ويحول بينه وبين عداوتهم وأحقادهم وتآمرهم ضده، ولوفاة السيدة خديجة رضي الله عنها بعد ذلك، وهي التي كانت نعم الزوج والرفيق والنصير للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم رحلته إلى الطائف يلتمس التأييد والمناصرة من أهلها فلم يصادف إلا الاستهزاء من زعمائها الذين أرسلوا صغارهم وسفهاءهم ليقذفوه بالحجارة ويعتدوا عليه حتى أدموا قدميه الشريفتين، وهناك دعا ربه يشكو إليه ضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس، فجاءه جبريل عليه السلام وأخبره أن ملك الجبال يمكن أن يطبق الجبلين على الطائف وأهلها، وكان الرد الكريم الرحيم بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرجو الله أن يأتي من أصلاب هؤلاء من يؤمن بالله. إلا أن هذه المعجزة العظيمة كانت إيذانًا للرسول الكريم بالهجرة بعد ذلك إلى المدينة المنورة ليبني فيها المجتمع المسلم ثم الدولة الإسلامية على أسس العدل والمساواة بين الناس، وتنظيم العلاقة بين المسلمين وبين المسلمين وغير المسلمين، وحفظ كرامتهم والاعتراف بحقوقهم وصونها وتقبل الآخر حتى لو كان مخالفًا.
اليوم تأتي ذكرى الإسراء والمعراج وقد انفرط عقد هذه الأمة جراء تخليها عن نهجها السليم الصحيح الذي اختاره لها خالقها لتسمو بين الأمم وتنهض بها وتقودها إلى ما يحقق الحكمة الإلهية من وراء الخلق، وسلمت رسنها لأعدائها وتركت لهم الحبل على الغارب، لقيادتها واختيارهم وتنظيرهم لها ما يناسب توجهاتهم وأهدافهم الدنيئة المنافية لكل ما شرعه الله واختاره لأمة الإسلام، فتمكن منها أعداؤها الذين نجحوا في شرخ العلاقة بين أبنائها وشق صفهم وتمزيقهم إلى أشتات وملل وأعراق وطوائف ومذاهب ينحر بعضهم بعضًا ويتآمرون على بعضهم بعضًا، ويُكفِّر بعضهم بعضًا، وهذا يُخوِّن ذاك، ويتحالف مع هذا ويتآمر على ذاك، والمخزي والمحزن أن كل ذلك يُصبغ تارة بصبغة الدفاع عن العروبة، وتارة بصبغة الدفاع عن (الإسلام)؛ فأي عروبة هذه ينفي بعضها بعضًا ويعادي بعضها بعضًا تنفيذًا لإملاءات الأعداء وخدمة لأهدافهم ومصالحه؟ وأي إسلام هذا يبيح تكفير المسلمين، ويشرع قتلهم، ومحاربة بعضهم بعضًا، ويرفض التسامح والحكمة والموعظة وقبول الآخر؟
لعل المسلمين الآن في شتى أنحاء الأرض بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استلهام الموعظة من المناسبات الدينية الفريدة التي يكتنزها التاريخ الإسلامي وإحداها ذكرى الإسراء والمعراج. فالمسلمون مطالبون وخاصة علماءها بمعالجة الخلل الذي أصاب أمة الإسلام ورتق ثقوبها ومعالجة عيوبها، وتوحيد صفها وكلمتها، وتعظيم حرمة دماء أبنائها وحرمة تدمير ممتلكاتها ودولها، والالتزام بمنهج الله الذي اختاره لها وأراد عزتها وكرامتها وسيادتها به. فهل تجد أمة الإسلام في هذه الذكرى العطرة ما يجعلها مؤهلة لوقفة تبصر، وتشرع في الحوار مع الذات ومع الآخرين على أسس من الموادعة وحسن المعاملة، والتماس القضايا من زوايا تبشر ولا تنفر، وتقرب ذات البين ولا تفرق؟ نأمل ذلك.