ثمة حقائق واضحة بات العالم يعرفها بأجمعه ويأتي في مقدمتها أن الإرهاب لا دين له ولا هوية له، ولا أمن ولا أمان له، وأن دعمه أو الاستثمار فيه هو حكم مسبق بالانتحار، ومن يسلك هذا الطريق فقد كتب على نفسه نهايته، وهذه حقيقة ثانية، والحقيقة الثالثة هي أن عدم البحث عن الأسباب الحقيقية وراء انتشار الإرهاب، فضلًا عن عدم الرغبة الجادة من قبل المجتمع الدولي في إعطاء الإرهاب تعريفه الخاص به، هو أحد العوامل الرئيسية المؤدية إلى استشراء هذه الظاهرة المدمرة على النحو المشاهد، في حين أن الحقيقة الأخرى والأهم هي التحول اللافت والمتمثل في احتضان قوى كبرى وأنظمة معروفة للتنظيمات الإرهابية بل الانخراط في إنتاجها لتوظيفها في خدمة سياساتها وتحقيق أهدافها دون أن تحسب حسابًا لا للحاضر ولا للمستقبل، ولم تضع ما قد تجره سياساتها من ويلات وخراب ودمار وكوارث وآلام على شعوبها.
نعم، جدير بالعالم أن يقلق من انتشار الإرهاب، وحري به أن يكرس لكل الجهود لمحاربة تلك الآفة التي تضرب أطناب الأرض بلا هوادة، لكن مع أي خطوة جادة نحو البحث عن أسباب انتشار هذه الظاهرة سيكتشف العالم أن احتضان قوى وأنظمة للإرهاب وإيجادها البيئات الخصبة لتكاثر تنظيماته وتفريخها تحت عناوين مغلوطة وشعارات زائفة لا يمثل سببًا مباشرًا فحسب، وإنما غدا كارثة على مستقبل الشعوب وتنميتها واستقرارها وأمنها.
الأخطر.. يظل الإرهاب الذي تكفلت به الولايات المتحدة ودول أوروبية وأنظمة إقليمية وعربية، سواء في فترة ما قبل ما سمي بـ”الربيع العربي” أو ما بعده، والذي بات يفيض عن الحاجة الغربية، ويشكل صداعًا مزمنًا. فالأرقام المتداولة عن عدد الإرهابيين الغربيين من أصول متباينة يعكس واقعًا مأساويًّا لكثير من المجتمعات الغربية، لكن مع ذلك ـ للأسف ـ أخذت أنظمة المجتمعات الغربية تتباهى بإعلان أرقام ما غادر مطاراتها من الإرهابيين باتجاه المنطقة تحت شعار دعم شعوبها، بل إنها قدمت لهم الغطاء السياسي والدبلوماسي والدعم من مال وسلاح، وضحكًا على الذقون واستخفافًا بالعقول اعتبرتهم “معارضة معتدلة”، في حين كانت النصائح الصادقة من سوريا ـ التي عبأها المستثمرون في الإرهاب بمنتجاتهم الإرهابية العديدة ـ بأن هؤلاء الإرهابيين هم قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لا سيما حينما تبدأ رحلة العودة، ولكن لا حياة لمن تنادي.
فها هي اليوم بلجيكا تبدأ رحلة السقوط في براثن الإرهاب بعد فرنسا، لتؤكدا مصداقية النصائح السورية وغير السورية بأن ما بنته هذه الدول المستثمرة في الإرهاب أو المتراخية أو المؤيدة له بالتراكم حتمًا سيرتد عليها بالركام، وما جمعته في سنوات وربما عقود قد يتزاحم خرابًا ودمارًا في مضاربها، والحبل على الجرَّار. فالهجمات التي أوقعت حوالي 35 قتيلًا في مطار بروكسل الدولي ومحطة للمترو في حي المؤسسات الأوروبية تؤكد أن الإرهاب لا يميز حين يضرب وليس له صديق أو حليف، والإدانة الواسعة وحجم التضامن مع بلجيكا مع حالة الهلع التي سادت أوروبا خاصة والعالم عامة يجب أن تمثل فرصة لمراجعة السياسات الخاطئة التي اتبعتها الدول الغربية بالتعاون مع أنظمة إقليمية عربية وغير عربية بالاستثمار في الإرهاب، والتخلي سريعًا عن دعم التنظيمات الإرهابية تحت أي عنوان، سواء كان “معارضة معتدلة” أو غير ذلك. وعلى الغرب أن يعي أن الاستمرار في إسقاط الأنظمة بالطرق والوسائل المخالفة للشرعية الدولية والقانون الدولي لا سيما عبر الإرهاب ودعمه لها نتائجها الكارثية على النحو المشاهد في بلجيكا وفرنسا وتركيا.