تتابعت تطورات الأحداث في مدينة القدس المحتلة وتحديدًا في باحات المسجد الأقصى بتواصل تدنيس الحرم القدسي وإغلاقه أمام المسلمين وفتح بواباته أمام قطعان المستوطنين المتطرفين وبإشراف وتنظيم مباشريْنِ من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
والمؤسف أن هذا التواصل يأتي في ظل أنباء عن ضغوط عربية وغربية على السلطة الفلسطينية لإثنائها عن التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، حيث تشير الأنباء إلى أن هناك عواصم عربية وغربية تضغط على السلطة لوقف التحرك باتجاه الأمم المتحدة والطلب من مجلس أمنها التصويت لمصلحة مشروع قرار يعترف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967، إضافة إلى ضغوط مشابهة خلال مؤتمر إعمار غزة مورست على السلطة من قبل عواصم عربية أيضًا تعلن غير ما تخفي من المواقف تجاه الفلسطينيين.
إن خلق الظروف المواتية والوقائع الملزمة، ونصب الكمائن والأفخاخ، وممارسة الإرهاب، كان ولا يزال حالة إسرائيلية ملازمة لمسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث أعطت غول الاستيطان مجالًا واسعًا لأن يتوغل قضمًا وهضمًا وتهويدًا في الأرض العربية الفلسطينية واستباحة كل المحرمات وخرق كافة القرارات الدولية ذات العلاقة، إلا أن ثالثة الأثافي أن تشكل الضغوط العربية على الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني ودولته المستقبلية ونضاله لاستعادة حقوقه فرصة إضافية تترجم إسرائيليًّا وبصورة مباشرة على أنها ضوء أخضر للاستمرار في سلب الحقوق الفلسطينية، تستكمل مخطط التدمير والتفتيت والنهب والهيمنة والاستعمار الجاري تنفيذه في المنطقة تحت شعار “محاربة الإرهاب” والماثل في إحدى أبرز صوره في حالة الإلهاء والإشغال المقصودة وحالة الاستهداف الموجه إلى الشعوب العربية وتوجيه أنظارها إلى مشاهد الاستخفاف بالعقول والضحك على الذقون بغارة هنا وغارة هناك لتحالف الولايات المتحدة لمحاربة ما يسمى تنظيم “داعش”.
ولعل ما يستخف بالعقول بصورة أكبر هو محاولة الغرب الفرز بين ظاهرتين إرهابيتين من صنعه، والماثلتين في تلك التنظيمات الإرهابية التي تعمل على تفتيت المنطقة وتدميرها نيابة عن الغرب، وفي كيان الإرهاب الإسرائيلي الذي بات يشكل مع تلك التنظيمات بنية تجمع بين الإرهاب والاحتلال والاستعمار، فإذا كان الغرب يعلن الحرب على تنظيم إرهابي بدعوى حماية المدنيين والشعوب، وبهذه الدعوى يسعى إلى إنشاء ما يسمى “مناطق آمنة وعازلة”، فمن أجل ماذا يدعم التنظيمات الإرهابية الأخرى، ويدعم إرهاب الدولة الإسرائيلي ويدافع عنه باستماتة؟ أليس الإرهاب “الداعشي” الذي يتعرض له المدنيون السوريون والعراقيون هو ذاته الإرهاب الذي يتعرض له المدنيون الفلسطينيون، وبه تنتهك دماؤهم وأعراضهم وتدنس مقدساتهم؟ لماذا لا يستصدر الغرب قرارات محاربة الإرهاب الإسرائيلي ويسعى إلى إقامة مناطق “آمنة وعازلة”؟ ولماذا لا يتم تسليح الشعب الفلسطيني ليدافع عن نفسه وأرضه ومقدساته؟ ولماذا يترك إرهاب الدولة الإسرائيلي ينتهك المقدسات الإسلامية باستمرار ويعمل على تقسيم المسجد الأقصى ونخر أساساته تمهيدًا إلى هدمه وإقامة الهيكل المزعوم؟ وأين هم من يسمون أنفسهم بـ”الثوار” و”الأحرار” و”المسلمين” مما يجري في القدس المحتلة من إرهاب ممنهج ويدَّعون أنهم يحاربون الظلم والفساد ويدافعون عن العدالة؟
إن الخطر الأكبر الذي يتهدد المنطقة حاضرًا ومستقبلًا يتمثل في تشكل بنية الإرهاب والاستعمار والاحتلال وتحولها إلى بيئة حاضنة لكل أشكال الإرهاب وجامعة لجميع الأطراف الأصيلة والوكيلة والأدوات، وهو ما سينعكس مباشرة على وضع القضية الفلسطينية لكون تصفيتها المنطلق والمحرك لكل هذه الفوضى وتكوُّن هذه بنية الإرهاب والاستعمار والاحتلال، ولهذا فإن الموقف من ذلك يبقى مرتبطًا بمدى الإرادة والتصميم لدى الفلسطينيين على مواجهة التخذيل والتيئيس والتهديد والضغوط.