الدراسة التحليلية التي أجراها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حول وضع المرأة والطفل والتي أكدت أن السلطنة شهدت خلال 4 عقود فقط تطورًا لافتًا في وضع الطفل والمرأة، تعكس مدى الاهتمام المبذول لحكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ بواكير عصر النهضة المباركة التي قادها جلالته بكل حكمة واقتدار، وتدلل على الهدف الذي جاءت من أجله، ألا وهو بناء الإنسان.
فالاهتمام بالإنسان العماني كان ولا يزال وسيظل هدف النهضة المباركة ومحركها الأساسي في الوقت نفسه، ومع تراتبية الأولويات يكون الاهتمام بهذا الإنسان سابقًا على نهوضه بواجبه في إدارة عجلات التنمية المستدامة وخطط النهوض المستهدفة خاصة في مرحلة الطفولة. لذلك كان الاهتمام بالمرأة والطفل أولوية الأولويات في الجهود الرامية إلى الارتقاء بالإنسان العماني، ولا يخرج الاهتمام بالمرأة عن تلازمية العلاقة بين الاثنين (المرأة والطفل).
ومما لا شك فيه أن الاهتمام بالمرأة هو أول الطريق نحو الاهتمام بالطفل بصفتها الحاضن الأول والمورد المبدئي للغذاء والدواء الضروريين لنموه، وما إن يأتي إلى الدنيا يصبح محط اهتمام الجميع من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة ممثلة في كافة مواطني البلد.
هذا الاهتمام بدوره انعكس على الوضع الصحي للمرأة والطفل، سواء من حيث الصحة الإنجابية للمرأة والصحة النفسية أو البدنية للمرأة والطفل، فمن خلال هذا الإنجاز الذي تحقق بشأن أهم مرتكزين من مرتكزات التنمية، تمكنت السلطنة ـ وحسب الدراسة التحليلية ـ من تحقيق الهدف الرابع من الأهداف الإنمائية للألفية المتعلق بخفض وفيات الأطفال، كما أفضت التطورات الجذرية في الخدمات الصحية ومنها التغطية الشاملة للتحصين إلى انخفاض معدل الأمراض المعدية بين الأطفال، وإن كانت الإصابة بالإسهال لا تزال تمثل مشكلة في بعض المحافظات. فقد قفز المتوسط المتوقع لعمر الفرد إلى 76 عامًا مقارنة بـ (51) عامًا في العام 1971، كما أصبح من المتوقع أن يعيش 99 طفلًا من كل 100 طفل لأكثر من 5 سنوات بعد الولادة، بالإضافة إلى أن 98% من الأطفال يحصلون على التحصين الصحي مقارنة بـ(20%) في الثمانينيات.
على الجانب الآخر لم تغفل الدراسة عن الركن الآخر من أركان التنمية في السلطنة ألا وهو التعليم، حيث تمكنت السلطنة من نشر شبه كامل للتعليم الابتدائي بمعدلات مطردة الزيادة في السنوات العشرين الماضية، كما يعد التطور الحادث في التعليم الثانوي تطورًا لافتًا، محققة معدلات شاملة في الإلمام بالقراءة والكتابة بين اليافعين في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عامًا. ولكي تواكب السلطنة إنجازاتها الهائلة في تعميم التعليم أوصت الدراسة بالتركيز على جودة التعليم وتطوير النتائج التعليمية بتحسين القدرات التدريسية لدى المعلمين، وتسريع العملية الجارية فعلًا من التوسع في اتباع النهج المرتكز على الطالب في التدريس والتعلم وزيادة المعلمين العمانيين المؤهلين.
وحين نعرج على مثل هذه الدراسات الإيجابية التي تثبت حجم الجهود المبذولة تجاه المرأة والطفل رعايةً وعنايةً وتعليمًا وتدريبًا وتأهيلًا، فإن الضد يظهر حسنه الضد، فرغم تلك البراءة وذلك الضعف الإنساني الباديين على صفحة وجه الطفل، إلا أن الطفولة قد تعرضت إلى أنواع عديدة من نكران الحقوق في أماكن كثيرة من العالم، ليس هذا فحسب، بل تعرضت للقتل حين تم توظيف أطفال في ميليشيات متقاتلة استغلالًا لحالة الجوع والفقر المدقع. كما أن المرأة لم تسلم من المتاجرة والابتذال وامتهان كرامتها، وبدلًا من تكريمها لكونها محلًّا للنسل، وإمداد الحياة بالذرية لا تزال حقوقها عرضة للانتهاك في أكثر من مكان في هذا العالم، الأمر الذي يدفعنا إلى التوجه إلى الله بالشكر على ما نحن عليه من نعم، وأن نضرع إليه بالدعاء بأن يبارك في نهضتنا المباركة وموقد جذوتها جلالة السلطان المعظم، ويحفظه ويرعاه ويمد في عمره، ويسبل عليه لباس الصحة والعافية والسؤدد.
المصدر: اخبار جريدة الوطن